إغلاق
موقع: "عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد" العلمي > الخطب المكتوبة > خطبة مكتوبة بعنوان: « فضل صيام شعبان وفوائد صيام التطوع وأحكام قضاء ما فات من رمضان » ملف: [ pdf – word ] مع نسخة الموقع.

خطبة مكتوبة بعنوان: « فضل صيام شعبان وفوائد صيام التطوع وأحكام قضاء ما فات من رمضان » ملف: [ pdf – word ] مع نسخة الموقع.

  • 15 فبراير 2024
  • 2٬138
  • إدارة الموقع

فضل صيام شعبان وفوائد صيام التطوع وأحكام قضاء رمضان

الخطبة الأولى: ـــــــــــــــــــــــــــــ

الحمدُ للهِ المُوفِّقِ مَن شاءَ مِن عبادِهِ لِلازدِيادِ مِن الطاعاتِ، والتوبةِ مِنَ الخطيئاتِ، أُولِئكَ يَرجونَ رحمةَ اللهِ والخلودَ في الجنَّاتِ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ على النبيِّ محمدٍ أفضلِ المخلوقاتِ، وعلى آلِهِ وأصحابِهِ السَّادات.

أمَّا بعدُ، فيَا عِبادَ اللهِ:

أُوصِيكُم ونفسِيَ بتقوى اللهِ ــ عزَّ وجلَّ ــ، فاتقوا اللهَ في السِّر والعلن، وراقِبوهُ مُراقبةَ أصحابِ القلوبِ الخاشعةِ، والنُّفوسِ الباكِيةِ عُيونُها مِن خشيتهِ، والصُّدورِ المملوءةِ بتعظيمهِ وخوفِهِ ورجائِهِ، وإيَّاكُم والأمنَ مِنْ مَكْرِهِ وعقابِهِ، والقُنوطَ مِن بِرِّهِ وإنعامِهِ، وافعلُوا وباستمرارٍ أسبابَ رحمتِهِ ومغفرتِهِ، واعمَلوا الصالحاتِ القوليَّةِ والفعليةِ التي تُوصِلُكُم إلى رضوانِهِ، وتُنَعِّمُكُم في جنَّاتِهِ، وتُباعِدُكُم عن العذابِ في نارِهِ، فإنَّ رحمةَ اللهِ قريبٌ مِنَ المُحسِنينَ، وإنَّما يَتقبَّلُ اللهُ مِنَ المُتقينَ، وقد قالَ اللهُ سبحانَه آمِرًا لكُم بتقواهُ، ومُذَكِّرًا بمُحاسَبةِ النَّفْسِ، ومُحذِّرًا مِنْ نسيانِهِ: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }.

واعلَموا ــ سدَّدكمُ اللهُ ــ أنَّ عِبادَةَ صيامِ التطوعِ والإكثارَ مِنها مِنْ أعظمِ ما تقرَّبَ بِهِ النَّاسُ إلى اللهِ ربِّهِم، وأوصَلَهُم المنازلَ العاليةَ في جنَّاتِ النَّعيمِ، وهذّبَ نفوسَهُم وزكَّاها، وجمَّلَ أخلاقَهُم وأعلاها، ورقّقَ قلوبَهُم وأصلحَها، وأعفَّ عن الحرامِ فُروجَهُم وأعيُنَهُم وأسماعَهُم وألسنَتهُم وصَانَها، وأبعدَهُم عن الفسادِ والمُفسِدِينَ وأماكِنِهم وقنواتِهِم وحفلاتِهم وتغرِيبِهِم وحماهُم.

حيثُ صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ في تعظيمِ شأنِ الصيامِ: (( كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قَالَ اللهُ – عَزَّ وَجَلَّ -: إِلَّا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي ))، وثبتَ عن أبي أُمَامَةَ ــ رضيَ اللهُ عنهُ ــ أنَّهُ قالَ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: (( مُرْنِي بِعَمَلٍ لِعَلِيِّ أَنْتَفِعُ بِهِ فَقَالَ: «عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ», فَمَا رُئِيَ أَبُو أُمَامَةَ وَلَا امْرَأَتُهُ وَلَا خَادِمُهُ إِلَّا صِيَامًا، فَكَانَ إِذَا رُئِيَ فِي دَارِهِ الدُّخَانُ بِالنَّهَارِ قِيلَ: اعْتَرَاهُمْ ضَيْفٌ ))، وصحَّ أنَّهُ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ: مَنِ اسْتَطَاعَ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ: فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ )).

عِبادَ اللهِ:

إنَّكُم في شهرِ شعبانَ، وقد صحَّ عن أُمِّ المؤمنينَ عائشةَ ــ رضيَ اللهُ عنها ــ أنَّها سُئلَتْ عن صيامِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقالتْ: (( لَمْ أَرَهُ صَائِمًا مِنْ شَهْرٍ قَطُّ أَكْثَرَ مِنْ صِيَامِهِ مِنْ شَعْبَانَ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلَّا قَلِيلًا))، وجاءَ في حديثٍ حسَّنهُ عديدٌ مِن العلماءِ، عن أسامةَ بنِ زيدٍ ــ رضيَ اللهُ عنهُ ــ أنَّه قالَ: (( قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْتُكَ تَصُومُ فِي شَعْبَانَ صَوْمًا لَا تَصُومُ فِي شَيْءٍ مِنَ الشُّهُورِ إِلَّا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ؟ فّقَالَ: ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَشَهْرِ رَمَضَانَ، تُرْفَعُ فِيهِ أَعْمَالُ النَّاسِ، فَأُحِبُّ أَنْ لَا يُرْفَعَ لِي عَمَلٌ إِلَّا وَأَنَا صَائِمٌ ))، فبادِرُوا إلى الاقتداءِ بنبيِّكُم صلى الله عليه وسلم بالصيامِ في شهرِ شعبانَ، والإكثارِ مِنه، لعلَّكُم تُفلِحون.

عِبادَ اللهِ:

إنَّنَا ــ وللأسفِ الشديدِ ــ أو الأكثرَ مِنَّا قد تكاسَلْنا وانشغَلْنا عن صيامِ التطوعِ، والإكثارِ مِنهُ، مع عِظَمِ ما ورَدَ في شأنِهِ مِن أحاديثَ نبويَّةٍ كثيرةٍ مُبيِّنَةٍ لأنواعِهِ، ومُرغِّبةٍ فيهِ، ومُعدِّدةٍ لِثمارِهِ، وما فيه مِنَ الحسناتِ الكثيرات، والأجورِ العالياتِ، والدَّرجاتِ الرَّفيعاتِ، والمكاسبِ الطيبةِ التي تنفعُ العبدَ في دُنياهُ وأُخْرَاهُ.

وإنَّ مِنْ فضائلِ صومِ التطوعِ: أنَّهُ مِنْ أسبابِ تكفيرِ الخطيئاتِ، لِمَا صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَجَارِهِ: تُكَفِّرُهَا الصَّلاَةُ، وَالصِّيَامُ، وَالصَّدَقَةُ )).

ومِنْ فضائِلِهِ أيضًا: أنَّهُ مِن أسبابِ البُعدِ والعِفَّةِ عن الحرامِ ومُشهِّياتِهِ، لِمَا صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ:(( مَنِ اسْتَطَاعَ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ )).

ومِنْ فضائِلِهِ أيضًا: أنَّهُ يُسَدُّ بِهِ يومَ القيامةِ النَّقصُ والخلَلُ الذي وقعَ مِنَ العبدِ في صيامِ الفريضةِ، لِمَا صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ العَبْدُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ، فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ، فَإِنْ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ، قَالَ الرَّبُّ ــ عَزَّ وَجَلَّ ــ: انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنَ الفَرِيضَةِ، ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى نحو ذَلِكَ )).

ومِنْ فضائِلِهِ أيضًا: أنَّهُ مِن أسبابِ نَيلِ العبدِ محبَّةَ ربِّهِ سبحانَه لَهُ، ودَفْعِهِ ودِفَاعِهِ عنهُ، وتوفِيقهِ وتسديدِهِ، وإجابةِ دعوتِهِ، حيثُ صحَّ أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ )).

أعوذُ باللهِ مِن الشيطانِ الرِّجيم: { وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ }.

فاللهمَّ: أعِنَّا على الإكثارِ مِن صيامِ التطوعِ، وفي شعبانَ، إنَّكَ سميعٌ مُجِيب.

الخطبة الثانية: ـــــــــــــــــــــــــــــ

الحمدُ للهِ الذي بنعمتِهِ تَتِمُّ الصالحاتُ، وأشهدُ أنْ لا إله إلا اللهُ خالِقُ البَرِيَّاتِ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ المَبعوثُ بالخيراتِ، وباللهِ أسْتعِين.

أمَّا بعُد، فيَا عِبادَ اللهِ:

مَن كانَ مِنكُم أو مِن أهلِيكُم قد بَقِيَتْ عليهِ أيَّامٌ مِن شهرِ رمضانَ الماضِي لم يَصُمْها، فليُبادِرْ إلى قضائِها وجوبًا قبلَ أنْ يَدخلَ شهرُ رمضانَ الجديدِ إنْ كانَ قادرًا على القضاءِ، ولم يَمنعْهُ مِنهُ مانعٌ شَرعِي، وقد صحَّ عن عائشةَ ــ رضيَ اللهُ عنها ــ أنَّها قالتْ: (( كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَ إِلَّا فِي شَعْبَانَ )).

وأمَّا مَن فرَّطَ فأخَّرَ القضاءَ بعدَ تَمكُنِّه مِنهُ حتى دَخلَ عليهِ رمضانُ آخَرُ أو رمضاناتٌ عديدةٌ: فإنَّهُ آثِمٌ، ويجبُ عليهِ ثلاثةُ أمورٍ، وهيَ: التوبةُ والاستغفارُ مِن هذا التفريطِ في تأخيرِ القضاء، وقضاءُ هذهِ الأيامِ التي لم يَصُمْها، والكفارةُ بإطعامِ مِسكينٍ عن كلِّ يومٍ أخَّرَ قضاءَهُ تفريطًا وتكاسلًا، وبهذا قالَ أكثرُ الفُقهاءِ، وصحَّتِ بِهِ الفتوى عن جمعٍ مِنْ أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وحكاهُ العلماءُ إجماعًا مِنَ الصحابةِ ــ رضيَ اللهُ عنهُم ــ.

وكذلكَ تجبُ هذهِ الأمورُ الثلاثةُ على مَن تكاسَل وتهاونَ بعدَ البلوغِ فتَركَ شيئًا مِن صيامِ شهرِ رمضانَ، حتى ولو مرَّتْ على ترْكِهِ هذا سِنواتٌ عديدةٌ، وأفطرَ فيها أيَّامًا كثيرةً، فإنَّ نَسِيَ عددَ هذهِ الأيامِ بَنَى على غالبِ ظنِّه في عددِهَا، وصامَ أيَامًا بقدْرِ ما يغلُبُ على ظنِّهِ أنَّهُ ترَك.

والمرأةُ الحامِلُ أو المُرضِعُ التي بقيَتْ عليها أيامٌ مِن شهرِ رمضانَ السابقِ لم تَصُمْها: فإنَّها تَقضِي قبْل دخولِ شهرِ رمضانَ الجديد إذا كانَ بدنُها قويًا، وتتغذَّى تغذيةً جيَّدةً مُفيدةً، وكانَ الصومُ لا يَضُرُّ بِها، ولا بالجَنينِ الذي في بطنِها أو الطفلِ الذي تُرضِعُ، لأنَّها في حُكمِ الصَّحيحِ المُعافَى.

وأمَّا إذا خافتْ على نفسِها أو على ولدِهَا مِن صومِ القضاءِ: فإنَّها تَقضِي بعدَ رمضانَ، وزَوالِ عُذرِ حَملِها ورَضَاعِها، مع الكفارةِ بإطعامِ مِسكينٍ عن كلِ يومٍ أخَّرَتْهُ إنْ كانتْ قد تَمكَّنَتْ مِن القضاءِ وفرَّطَتْ، وبدُونِ الكفارةِ إنْ لم تَكُنْ مُفرِّطة.

هذا، وأسألُ اللهَ الكريمَ: أنْ يَشرحَ صُدورَنا بالسُّنةِ والاتِّباع، ويَعْمُرَ حياتَنا بالطاعاتِ الواجباتِ والسُّننِ، ويُمِيتَنا على التوحيدِ والسُّنةِ والاعتقادِ الصَّحيحِ واجتنابِ الشِّركياتِ والبِدَعِ والمعاصِي، اللهمَّ سدِّدَ إلى الخيرِ والهُدى ولاتَنَا وجُندَنا وأهلِينا وأولادَنا وجيرانَنا ورِفاقَنا، اللهمَّ ثبِّتنا في الحياةِ على طاعتِكَ، وعندَ المماتِ على قولِ لا إلهَ إلا اللهُ، وفي القبورِ بالقولِ الثابتِ عندَ سؤالِ مُنكَرٍ ونَكِيرٍ، اللهمَّ ليِّنْ قلوبَنا قبلَ أنْ يُليِّنَها الموتُ، وارحَمْ موتَانا وموتَى المسلمين، وارفعِ الضُّرَ عن عِبادِكَ المؤمنينَ في غزَّةَ وكلِ بقاعِ الأرضِ، إنَّكَ سميعُ الدُّعاء، وأقولُ هذا، وأستغفرُ اللهَ لِي ولَكُم.