إغلاق
موقع: "عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد" العلمي > المقالات > القرآن و التفسير > خطبة مكتوبة بعنوان: « وصايا ومواعظ العبد الصالح لقمان الحكيم لابنه ». ملف [ pdf – word ] مع نسخة الموقع.

خطبة مكتوبة بعنوان: « وصايا ومواعظ العبد الصالح لقمان الحكيم لابنه ». ملف [ pdf – word ] مع نسخة الموقع.

  • 29 فبراير 2024
  • 4٬481
  • إدارة الموقع

وصايا ومواعظ العبد الصالح لقمان الحكيم لابنه

الخطبة الأولى: ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحمدُ للهِ الذي هدَانا لِتوحيدِهِ بإفرادِهِ بالعبادَةِ وحدَهُ، وأكرَمَنا باجتنابِ الشِّركِ بِهِ في عبادَتِهِ، وما كُنَّا لِنَهتَدِيَ لَولا أنْ هدَانا اللهُ، واُصَلِّ وأُسَلِّمُ على كافةِ النَّبيِّينَ، وعلى آلِ كُلٍ وصحابَتِهم وأتباعِهِم المؤمنين.

أمَّا بعدُ، أيُّها الناس:

فإنَّ لُقْمَانَ الحَكيمَ عبدٌ صالحٌ عند عامَّة العلماءِ، وليسَ مِن الأنبياءِ ــ عليهِمُ الصلاةُ والسلامُ ــ، وجاءَتْ آثارٌ عديدةٌ عن الصحابةِ والتابعينَ ومَنْ بعدَهُم أنَّه كانَ عبدًا رقيقًا حبشيًّا، وقيل: أنَّهُ كانَ مِن سُودانِ نُوبَةِ مِصرَ، وفي القرآنِ سُورَةٌ تُسمَّى باسمِهِ، وهِيَ سُورَةُ “لُقْمَان”، ذَكرَهُ اللهُ فيها مادِحًا لَهُ، ومُبيِّنًا لَنَا عظيمَ وصاياهُ ووعظِهِ لابنِهِ، وشديدَ شفقَتِهِ عليه، لِنقتَدِيَ بِهِ في وصيِّةِ ووعظِ أبنائِنا وبناتِنا، ولم يُذكَرْ لُقمانُ إلا في هذه السُّورةِ، وعامَّةُ سُورِ القرآنِ تُسمَّى ببعضِ ما أو مَن ذُكِرَ فيها.

ويُلقَّبُ لُقمانُ بالحَكيمِ، لأنَّ اللهَ أكرمَهُ فآتاهُ الحِكمَةَ، حيثُ قالَ سبحانَهُ: { وَلَقَدْ آَتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ }، والحِكمَةُ هِيَ: «الفَهمُ والعِلمُ والتعبير»، وذلكَ مِن فضلِ اللهِ عليهِ، وقد قالَ اللهُ سُبحانَهُ مُمتَنًّا على أهلِ الحِكمَةِ: { يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا }، ولمَّا تفضَّلَ اللهُ على لُقمانَ بالحِكمَةِ، والتوفيقِ لِطاعتِهِ، وجعْلِهِ مِن خيارِ عِبادِهِ، أمرَهُ بُشكرِهِ على ذلكَ، لِيُبارِكَ لهُ فيهِ، ويَزيدَهُ مِن فضلِهِ، فقالَ ــ عزَّ وجلَّ ــ: { أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ }.

ولمَّا كانَ الوالِدانِ مِن أحرَصِ وأنصَحِ وأرحَمِ وأشفَقِ الناسِ على أبنائِهِم وبناتِهِم، لِكونِهِم قطعةً مِنهُما، حيثُ صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ عن ابنتِهِ فاطمةَ ــ رضيَ اللهُ عنها ــ: (( إِنَّمَا هِيَ بَضْعَةٌ مِنِّي، يُرِيبُنِي مَا أَرَابَهَا، وَيُؤْذِينِي مَا آذَاهَا، فَمَنْ أَغْضَبَهَا أَغْضَبَنِي ))، وكانَ للأبناءِ والبناتِ حقًّا على الآباءِ والأُمَّهاتِ، لِمَا صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( إِنَّ لِوَلَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا ))، وصحَّ أنَّه صلى الله عليه وسلم قالَ: (( الرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا ))، وكانتْ جهنَّمُ خطَرًا كبيرًا على جميعِهِم، لِقولِ اللهِ سُبحانَهُ آمِرًا ومُرهِّبًا: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ }: اهتَمَّ لُقمانُ الحَكيمُ ــ رحمهُ اللهُ ــ بوصِيَّةِ ابنِه، وعدَّدَها، وبيَّن لهُ عواقِبَها.

أمَّا الوصيَّةُ والعِظَةُ الأُولى مِن لُقمانَ الحكيمِ لابنِهِ: فتتعلَّقُ بالعقيدةِ وتصحِيحِها، وجاءَتْ في قولِ اللهِ تعالى: { وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ }، والشِّركُ هو: «صَرْفُ العبادةِ أو شيءٍ مِنها لِغيرِ اللهِ، حتى ولو كانتْ عبادَةً واحدَةً»، كَمَنْ يَصْرِفُها لِعبادٍ مِثلِهِ، حيثُ قالَ اللهُ سبحانَهُ مُسفِّهًا لَهُ: { إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ }، فيَدْعُوَهُم معَ اللهِ قائلًا: «فَرِّجْ عنَّي يا رسولَ الله، يا أولياءَ اللهِ اشفَعوا لِي يومَ القيامةِ، مَدَد يا بدَوي، أغِثنا يا جَيْلانِي، اشفِنا يا حُسين، ادفَعِي عنِّي يا زَينب، “احْمِنا يا عَيدرُوس، اكشِفْ ما بِنا يا مِيرْغَنِي، شيئًا للهِ يا رِفاعِي»، وقد قالَ اللهُ زاجِرًا عن ذلكَ: { فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا }، وصحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم توعَّدَ أهلَ ذلكَ بالنَّارِ، فقالِ: (( مَنْ مَاتَ وَهْوَ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ نِدًّا دَخَلَ النَّارَ )).

وأسعدُ الناسِ وأعملُهُم بهذهِ الوصيَّةِ الأُولى وأرْحمُهُم وأشفَقُهُم، هُمُ: الآباءُ والُأمَّهاتُ مِنْ أهل السُّنةِ والحديثِ أتباعُ السَّلفِ الصالحِ، لأنَّهُم يَنهونَ أبناءَهُم وبناتَهُم عن الشِّركِ باللهِ بدُعاءِ غيرِهِ معَهُ، ويأمُرونَهُم بصرْفِ جميعِ عباداتِهِم للهِ وحدَهُ.

وأظلَمُ الناسِ لأبنائِهِم وبناتِهِم، وأضعَفُهُم شَفقةً عليهِم، وأقلُّهُم رحمةً بِهِم، وأسوَؤُهُم نُصحًا لهُم، هُمُ: الآباءَ والأمَّهاتُ مِنَ الشِّيعَةِ الرَّافِضَةِ والصُّوفيةِ الطُّرقيِّةِ، لأنَّهُم لا يَنهونَ أبناءَهُم وبناتَهُم عن هذا النَّوعِ مِن الشِّركِ باللهِ، بل إنَّهُم يدعُونَهُم إلى فِعلِهِ، ويفعلونَهُ أمامَهُم، ويُرغِّبونَهُم فيه.

وأمَّا الوصيَّةُ والعِظَةُ الثانيَةُ مِن لُقمانَ الحكيمِ لابنِهِ: فتتعلَّقُ بمُراقبةِ العبدِ ربَّهُ في نفسِهِ، وفي جميعِ أُمورِهِ وأحوالِهِ، ومعَ جميعِ خلقِهِ، وفي السِّرِ والعلَنِ، والحضَرِ والسَّفرِ، لأنَّ اللهَ مُطَّلِعٌ على قلوبِ وأقوالِ وأفعالِ عِبادِهِ حيثُ كانوا، ولا يَغيبُ عنهُ مِثقالُ ذرةٍ مِنْ طاعةٍ أو عِصيانٍ، وفي جميعِ الأماكِنِ والأزمانِ، لِسَعَةِ عِلمِهِ، وتمامِ خِبرَتِهِ، وكمالِ قُدرَتِهِ، وجاءَتْ في قولِ اللهِ تعالى: { يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ }، ومُرادُ لُقمانَ مِنْ هذهِ الوصيةِ والعِظَةِ حثُّ ابنِهِ على مُراقبَةِ اللّه دومًا، وحيثُ كانَ، والعملِ بطاعتِهِ، مهْمَا أمكَنَ، وترهيبِهِ مِن عملِ القبيحِ، قَلَّ أو كَثُرَ.

وأمَّا الوصيَّةُ والعِظَةُ الثالثَةُ مِن لُقمانَ الحكيمِ لابنِهِ: فتتعلَّقُ بالصَّلاةِ التي هِيَ أوَّلُ ما يُحاسَبُ عنهُ العبدُ يومَ القيامَةِ مِن عملِهِ، ولا حظَّ في الإسلامِ لِمَنْ ترَكَها، ولا دِينَ لِمَنْ لم يَكُنْ مِن أهلِها، وفارِقَةُ بينَ الكفرِ والإيمانِ، وجاءَتْ في قولِ اللهِ تعالى: { يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ }، وأمْرُ الأبناءِ والبناتِ بإقامتِها، وتعاهُدِهِم بِها، ومُتابعَتِهِم عليها ــ ولو كانَ الوالِدانِ غائِبَينِ عنهُم ــ مِن أعظَمِ الشَّفقَةِ بِهِم، وأشدِّ الرَّحمةِ لهُم، والمُرادُ بإقامَتِها: «أنْ تُصَلَّى، ويُؤتَى بها في أوقاتِها تامَّةً بشُروطِها وأركانِها وواجباتِها ومُكمِّلاتِها، وفي المساجدِ لِمَنْ كانَ مِن أهلِ الجماعةِ»، وقد صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ )).

وأمَّا الوصيَّةُ والعِظَةُ الرابعَةُ مِن لُقمانَ الحكيمِ لابنِهِ: فتتعلَّقُ بإصلاحِ الناسِ والبلدِ والمُجتمعِ الذي يعيشُ فيهِ، وإبعادِهِ عن الفسادِ والمُفسِدينَ، لأنَّ الإصلاحَ أمانٌ مِن نُزولِ العُقوباتِ بالنَّاس وبلادِهم، لِقولِ اللهِ سُبحانَهُ: { وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ }، ولا يَكفِي صلاحُ النفسِ وحدَهُ، لِمَا صحَّ أنَّهُ قِيلَ: (( يَا رَسُولَ اللهِ: أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: «نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ» ))، ووسِيلَةُ الإصلاحِ هِيَ: الأمرُ بالمعروفِ والنَّهيُّ عن المُنكرِ بعِلمٍ ورِفقٍ وحِلمٍ وصبْرٍ، وذلك: بأمرِ الناسِ بلُزُومِ التوحيدِ والسُّنةِ، والقيامِ بما أوجَبَ اللهُ عليهِم مِمَّا وفرَّطوا فيهِ أو تكاسَلوا عنهُ، ونَهيهِم عن الشِّركيَّاتِ والبدعِ والمعاصِي، وتحذيرِهِم مِن أمكانِها ودُعاتها وقنواتِها واحتفالاتِها وحفلاتِها، ونُصحِهِم فيما يقعُ مِنهُم مِن أخطاءٍ جهَةَ الشريعةِ في جميعِ أبوابِ الدِّين، مع الصَّبرِ على أذَى الناسِ وغضَبِهم على الإصلاحِ والمُصلِحِ، لأنَّ مُرادَهُ اللهُ والدارُ الآخِرةُ، والناسُ تتفاوتُ عقولُهُم وطِباعُهم، وجاءَتْ هذهِ الوصيِّةُ في قولِ اللهِ تعالى: { وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ }.

وسُبحانَ الله بُكرَةً وعَشِيًّا، ولَهُ الحمدُ على كلِّ حال، ولا إلهَ إلا الله.

الخطبة الثانية: ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحمدُ للهِ الولِيِّ الحميدِ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وأنَّ مُحمَّدًا عبدُهُ ورسولُهُ ذُو النُّصحِ الشديدِ، اللهمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عليهِ وعلى آلِهِ وأصحابِهِ على التأبِيد.

أمَّا بعدُ، أيُّها الناس:

فأمَّا الوصيَّةُ والعِظَةُ الخامسَةُ والسادسَةُ والسابعَةُ مِن لُقمانَ الحكيمِ لابنِهِ:

فتتعلَّقُ بمُعامَلَةِ الناسِ، وجاءَت في قولِ اللهِ سُبحانَهُ: { وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ }.

ومعنى قولِ اللهِ سبحانَهُ: { وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ } أي: لا تُمِلْ وجهَكَ عنهُم وتَعْبِسَ بِهِ إليهِم، تكبُّرًا عليهم، وتعاظمًا بنفسِكَ، وكُن مُتواضعًا سهلًا سَمْحًا لَيِّنًا، وقد صحَّ أنَّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( إِنَّ اللهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ ))، وصحَّ عنهُ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قالَ: (( مَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ ))، وصحَّ أنَّهُ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا، وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ )).

ومعنى قولِ اللهِ سبحانَهُ: { وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُور } أي: لا تَمشِ في الناس بجَسدِكَ أو دابَّتِكَ أو مرْكبَتِكَ أو قولِكَ أو فِعلِكَ مشْيَ المُتكبِّرينَ المُختالِينَ المُعجَبينَ بأنفُسِهِم المُتعاظِمِينَ على الخلقِ، لأنَّ اللهَ لا يُحِبُ ذلكَ، وصاحِبُهُ حقيرٌ عندَ اللهِ وعندَ خلقِهِ، ومَبغوضٌ مَمقوتٌ، قد اكتسَبَ أشَرَّ الأخلاقِ، وأرذَلَ الطِّباعِ، وقد صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ»، فَقَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً، فَقَالَ لَهُ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ، وَغَمْطُ النَّاسِ» )).

ومعنى قولِ اللهِ سبحانَهُ: { وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ } أي: امِشِ في الناسِ مَشيًا متوسِّطًا مُعتدِلًا مألُوفًا لا يَلفِتُ الأنظارَ إليكَ، تظهرُ فيه السَّكينةُ والوقارُ والتواضُعِ، ولا يَظهرُ مِنهُ أنَّكَ مُتكبِّرٌ فخَورٌ مُعجَبٌ بنفسِهِ مُتعاظِمًا، ولا أنَّ بعقلِكَ خَبَلٌ وقُصورُ ونَقص.

ومعنى قولِ اللهِ سبحانَهُ: { وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الأصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ } أي: تأدَّبْ في الصوتِ معِ اللهِ إذا دعوتَهُ أو ذَكرتَهُ، وتأدَّبْ معَ الناسِ إذا خاطبتَهُم، فأنقِصْ مِنهُ، وأحسِنْ في درجَتِهِ، ولا يَكُنْ علُوُّهُ خارجَ حَدِّ الأدبِ والسَّكينَةِ والتواضعِ، وسِرْ في بابِ الأذكارِ والأدعيَة الشرعيَّةِ سِرًّا وجهرًا ووقتًا ومكانًا وِفْقَ ما جاءَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأصحابِهِ، ورَاعِ بدرجَةِ صَوتِكَ الأوقاتَ والأحوالَ والناسَ والحاجَةَ، ولا تتشبَّهُ بالحميرِ، حيثُ ترفعُ صوتَها بنَهِيِقِها الكَرَيهِ، وتزدادُ في رفعِهِ، ولا تَنضَبِطُ بضابطٍ فيه، ولا تُراعِي أحدًا ولا شيئًا.

واتقوا اللهَ ــ عِبادَ الله ــ واعلموا: أنَّ هذهِ الوصايا التي وصَّى بها لُقمانُ ابنَهُ تجمعُ أُمَّهاتِ الحِكَمِ، وتدُلُّ على أنَّهُ حكيمٌ ومِن حُكماءِ الخلقِ، وكونوا مِنهُم.

اللهمَّ: اهدِنا لأحسنِ الأخلاقِ والأعمالِ لا يَهدي لأحسنِها إلا أنت، واصرِفْ عنَّا سيِّئِها لا يَصرِفُ عنَّا سيِّئَها إلا أنت، اللهمَّ إنَّا نعوذُ بكَ مِن الشِّقاقِ والنفاقِ وسُوءِ الأخلاق، اللهمَّ اغفرْ لَنا ولآبائِنا وأُمَّهاتِنا وجميعَ أهلِينا والمسلمينَ، وأكرِمْنا وإياَّهُم برِضوانِكَ، والعِتقِ مِن نِيرانِكَ، والتَّنعُّمِ في جنَّاتِك، إنَّكَ سميعٌ مُجِيب، وأقولُ هذا، وأستغفرُ اللهَ لِي ولَكُم.