تَذكِرَةٌ في وصْفِ اللهِ ــ جلَّ وعلا ــ وتعظيمِهِ وإجلالِه
الخطبة الأولى: ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمدُ للهِ الذي عَظُمَ حِلمُهُ على مَن عصَاهُ فسَتَرَ، وأمهلَ أهلَ الذُّنوبِ وصبَرَ، ويُملِي لِلفاجِرِ حتى اذا أخذَهُ لم يُفلِتْهُ، إنَّ أخْذَهُ أليمٌ شديدٌ، والصلاةُ والسلامُ على النبيِّ محمدٍ المبعوثِ رحمةً وإصلاحًا، وعلى آلِهِ وأصحابِهِ وأتباعِهِ الأخيارِ إلى يومِ الحشْرِ والحسابِ والجَزاء.
أمَّا بعدُ، أيُّها الناس:
فإنَّ العلمَ باللهِ وأسمائِهِ وصِفاتِهِ وأفعالِهِ أجَلُّ العلومِ على الإطلاق، لِتعلُّقِهِ باللهِ الخالِقِ أشرَفِ معلومٍ، ولِهذا كانَ القرآنُ والسُّنةُ فيهِما مِن ذِكرِ أسماءِ اللهِ وصفاتِهِ وأفعالِهِ أكثرَ مِن باقي الأشياء، وهذا العلمُ مِن الأُسُسِ العِظامِ التي قامتْ عليها دَعواتُ المُرسَلِينَ، إذْ دعوةُ جميعِهِم تدورُ على ثلاثةِ أمورٍ:
الأوَّل: تعريفُ الناسِ بربِّهِم وأسمائِهِ وصِفاتِهِ وأفعالِه، والثاني: تعريفُ الناسِ بالطريقِ المُوصِلَةِ إلى رَبِّهِم، وهيَ عبادَتُهُ وحدَهُ بما شَرَع، والثالث: تعريفُ الناسِ بما لَهُم بعدَ الوصولِ إلى ربِّهِم في مِن النَّعيمِ أو العذابِ.
ولا يُمكِنْ أنْ يَستقيمَ أمرُ الناسِ ويَصلُحَ حالُهُم ويَسْعَدُوا ويُفلِحُوا وتطمئِنَّ قلوبُهُم دُونَ معرِفَتِهِم باللهِ خالِقِهِم ومالِكِهِم ورازِقِهِم، وكُلَّما قوِيَتْ هذهِ المعرِفَةُ عندَهُم زادَ خوفُهُم لِربِّهِم، وعظُمَ رجاؤُهُم فيما عندَهُ، وكَبُرَ إجلالُهُم لَه، وكانوا أكثرَ عبادةً، وأقوى إخلاصًا، وأشدَّ مُتابعةً لِلرُّسِلِ، وأعظَمَ إقبالًا على اللهِ، واستِسلامًا لِشرعِهِ، ولُزُومًا لأمْرِهِ، وبُعْدًا عن نواهِيه.
أيُّها الناس:
إنَّ اللهَ ــ عزَّ وجلَّ ــ هوَ الخالقُ البارئُ المُصَوِّرُ، كما قالَ سُبحانَهُ عن نفسِهِ: { هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ }، فخلقَ وحْدَهُ جميعَ المخلوقاتِ العُلويةِ والسُّفليةِ بعدَ أنْ كانتْ مَعدومةً غيرَ موجودَةٍ، وخلقَهَا ابتداءً على غيرِ مِثالٍ سابقٍ لَهَا في الوجودِ ولا تقليدٍ، وجعلَ كلَّ مخلوقٍ مِنها على صُورةٍ وهيئَةٍ مُعيَّنَةٍ يَتميَّزُ بِها عن غيرِهِ، ويُعرَفُ ويَختلِفُ بِها عن الآخَرِينَ، ولا يَختلِطُ بِها أحدٌ عن أحدٍ، فالإنسانُ على صُورةٍ، والإبلُ على صُورةٍ، والنَّملُ على صُورةٍ، والقمرُ على صُورةٍ، والجبالُ على صُورةٍ، وجعلَ لِكلِّ إنسانٍ صُورةً تخُصُّهُ، لِلذَّكرِ صُورةٌ ولِلأُنثى صُورةٌ أُخْرَى، وفارَقَ بينَهُم في الطُّولِ والقِصَرِ، واللونِ والشَّكلِ، وأعضاءِ الذُّكورةِ والأُنوثَةِ، والأصوات، { فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ }.
ألَا فيَا أيُّها الإنسانُ: اتقِّ اللهَ ربَّكَ، وكُنْ على خشيةٍ كبيرةٍ مِنهُ، وطاعةٍ دائمةٍ إليهِ، فهوَ القائلُ مُمتنًّا عليكَ: { يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ }.
ويا مَن تدْعُونَ معَ اللهِ مخلوقينَ مِثلَكُم مِن الأنبياءِ والصَّالحينَ، فتقولونَ في دُعائِكُم لَهُم: «أغِثنا يا رسولَ اللهِ، فرِّجْ عنَّا يا جَيلانِيُّ، اشْفِنا يا حُسينُ، المَدَدَ يا بَدَوِيُّ، شيئًا للهِ يا رِفَاعِيُّ» أينَ أنتُم مِن قولِ ربِّكُمُ العظيمِ الجبَّارِ سُبحانَهُ: { ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ }.
أيُّها الناس:
إنَّ اللهَ ــ عزَّ وجلَّ ــ هوَ السَّميعُ البصيرُ، كما قالَ سُبحانَهُ عن نفسِهِ: { إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ }، السَّميعُ: لِمَا تَنطِقُ بِهِ خلقُهُ مِن قولٍ، الذى قد استوى فى سَمعِهِ سِرُ القولِ وجهرُهُ، ووسِعَ سَمعُهُ جميعَ أَصواتِ خلقِهِ، وأحاطَ بجميعِها على اختلافِ أماكِنِهم، فلا تَشتبِهُ عليهِ أَصواتُهُم معَ تنوِّعِ لُغاتُهُم، ولا يَشغَلُهُ مِنها سمْعٌ عن سمْعٍ، ولا يَحصُل لَهُ غلَطٌ واختلاطٌ في شيءِ مِنها مع كثرَةِ وتفرُّقِ السائلينَ والمسائلِ، وازدِيادِ الكلامِ والمُتكلِّمينَ.
والبصيرُ: الذي يَرَى جميعَ خلْقِهِ وأفعالَهُم حيثُ كانوا، والذى لِكمالِ بصَرِهِ يُبصِرُ كلَّ شيءٍ وإنْ رَقَّ وصَغُرَ، فيَرَى تفاصيلَ خَلْقِ النَّملةِ الصَّغيرةِ السَّوداءِ، كأعضائِها ولَحمِها ودَمِها ومُخِّها وعُروقِها وجرَيانِ القُوتِ في بدَنِها، ويَرَى مشْيَها على الصَّخرةِ الصَّماءِ السَّوداءِ فى الليلةِ الظلمَاءِ، ويَرَى ما تحتَ الأرضينَ السَّبعِ كما يَرَى ما فوقَ السَّماواتِ السَّبعِ، ويَرى تقلُّباتِ الأجْفَانِ، وخِياناتِ العُيون.
ألَا فاتقوا اللهَ ــ عبادَ اللهِ ــ: فلا يَسمعُ مِنكُم ما يُغضِبُهُ، ولا يَراكُم تعصونَهُ سِرًّا أو علانِيَةً ومُجاهَرةً، ولا في أماكِنِ الشِّركياتِ والبِدَعِ والمعاصِي والفواحشِ والمُنكراتِ والفسادِ معَ أهلِها، فقدْ قالَ سُبحانَهُ مُتوعِّدًا: { أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ }، وقالَ سُبحانَهُ مُرهِّبًا: { وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا }، وقالَ سُبحانَهُ مُهدِّدًا للمُجرِمِ الفاجِرِ أَبِي جهلٍ، ولِكُلِّ أحدٍ: { أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى } أي: يَرَى ما يَعملُ ويَفعلُ في أيِّ وقتٍ ومكانٍ، ولو تَخَفَّى واسْتَتَر.
أيُّها الناس:
إنَّ اللهَ ــ عزَّ وجلَّ ــ هوَ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلامُ، كما قالَ سُبحانَهُ عن نفسِهِ: { هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ }، المَلِكُ: الذي لَهُ المُلكُ التَّامُّ لِجميعِ العالَمِ، العُلويِّ مِنهُ والسُّفلِيِّ مِن سَماواتٍ وأرَضِينَ، وما فيهِنَّ، وما بينَهُنَّ، ومالكُ الدُّنيا والآخِرةِ، لا يَشرَكُهُ في هذا المُلْكِ أحدٌ، ولَهُ التصرُّفُ التَّامُ في جميعِ مَملوكاتِهِ مِن إنسٍ وجِنِ وحيوانٍ وغيرِها بما شاءَ، وكيفَ شاءَ، وحِينَ يشاءُ، لا مُكرِهَ ولا رادَ ولا دافِعَ ولا مُمانِعَ ولا صَارِفَ لِمَا حكَمَ بِهِ عليهِم وقضَاهُ وقدَّرَهُ، كُلُّهُم صائِرونَ إليهِ، شاؤوهُ أمْ أبَوهُ، أحَبُّوهُ أو كرِهُوهُ { لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ }، القُدُّوسُ السَّلام: الذي تَنزَّهَ وسَلِمَ مِن كلِ عَيبٍ ونَقصٍ، وعن مُماثلَةِ ومُشابَهَةِ أحدٍ مِن خلقِهِ، وكمُلَ في كُلِّ شيءٍ، وتَنزَّهَتْ وسلِمَتْ صِفاتُهُ وأفعالُهُ عن كُلِّ عَيبِ ونَقصٍ، وتنزَّهَتْ وسلِمَتْ أحكامُهُ وقضاؤُهُ وقدَرُهُ وخلْقُهُ وعطاؤُهُ ومَنْعُهُ وعقوباتُهُ وابتلاؤُهُ عن العبَثِ والجَورِ والظُّلمِ والوقوعِ على غيرِ وجْهِ الحِكمَةِ والمَصلحَةِ والعدْلِ والرَّحمَة، وتَنزَّهَ عن الولدِ والوالدِ والوالدةِ والصاحِبَةِ والشّريكِ والنِّدِ والسَّميِّ والنظيرِ والمَثيلِ، وسلِمَتْ حياتُهُ عن الموتِ والسِّنَةِ والنَّومِ، وسلِمَتْ قيومِيَّتُهُ وقُدْرَتُهُ مِن التَّعَبِ والُّلغُوبِ، وسَلِمَ عِلمُه مِن عُزوبِ شيءٍ عنهُ أو عُروضِ نِسيانٍ أو حاجةٍ إلى تَذَكُّرٍ، وسلِمَتْ إرادَتُهُ مِن خُروجِها عن الحِكمةِ والمَصلحَةِ، وسلِمَتْ كلماتُهُ مِن الكذبِ والظُّلمِ، بل تمَّتْ كلماتُهُ صِدقًا وعدْلًا وحَقًّا، وسَلِمَ غِناهُ مِن الحاجةِ إلى غيرِه بوجْهٍ ما، بل كُلُّ ما سِواهُ مُحتاجٌ إليهِ وهوَ غنيٌّ عن كُلِّ ما سِواهُ، وسَلِمَ مُلكُهُ مِن مُنازِعٍ فيهِ أو مُشارِكٍ أو مُعاوِنٍ مُظاهِرٍ، وسَلِمَ حِلمُهُ وعَفوُهُ وصَفحُهُ ومغفرتُهُ وتجاوزُهُ لأحدٍ مِن خلقِهِ أنْ يكونَ عن حاجةٍ مِنهُ أو خوفٍ أو مُصانَعَةٍ كما يكونُ مِن غيرِهِ، بل هوَ مَحضُ جُودِهِ وإحسانِهِ وكرمِهِ وتفضُّلِهِ، وسَلِمَ عذابُهُ وانتقامُهُ وشِدَّةُ بطشِهِ وسُرعَةُ عقابِهِ مِن أنْ يكونَ ظُلمًا أو تشفِيًّا أو غِلظَةً أو قسْوةً بل هوَ مَحضُ حِكمتِهِ وعدْلِهِ ووضْعِهِ الأشياءَ مواضِعَها، وهوَ ممَّا يَستحِقُ عليهِ الحمدَ والثناءَ كما يَستحِقُهُ على إحسانِهِ وثوابِهِ ونِعمِهِ، وسَلِمَ شرعُهُ ودِينُهُ مِن التناقضِ والاختلافِ والاضطرابِ وخلافِ مصلحةِ العِبادِ ورحمَتِهِم والإحسانِ إليهِم، وَ: { سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }.
الخطبة الثانية: ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمدُ للهِ الرَّحيمِ الغفَّارِ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ الجبَّارُ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ إمامُ المُتقينَ الأبرارِ، وباللهِ وحدَهُ يَستعينُ الصَّالِحونَ الأطهَار.
أمَّا بعدُ، أيُّها الناس:
فإنَّ االلهُ ــ عزَّ وجلَّ ــ هوَ الحفيظُ والحافظُ، كما قالَ سُبحانَهُ: { وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ }، وقولِهِ سُبحانَهُ: { فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا }، فحفِظَ على عبادِهِ ما عمِلوهُ مِن خيرٍ أو شَرٍّ، وما فعلُوهُ مِن طاعةٍ أو معصيةِ، واكتسبُوهُ مِن حسَنةٍ أو سيِّئَةٍ، وقالوهُ مِن معروفٍ أو مُنكَرٍ، وخَطَّوهُ مِن صالحٍ أو فاسِدٍ، وما قامُوا بِهِ في السِّرِ والخَلوةِ والعلانيةِ والسَّفرِ والإقامةِ، وما أضْمَرَتْهُ قلوبُهُم مِن إيمانٍ وكُفرٍ وشِركٍ ونِفاقٍ وعِصيانٍ وإحسانٍ وتُقًى وبِرٍّ وحَسَدٍ وغِلٍّ وحقدٍ وشَرٍّ، فلا يَفوتُهُ مِن ذلكَ مِثقالُ ذَرَّةٍ، ولا يَغيبُ عنهُ شيءٌ، ولا يَنساهُ، ولا يَضِلُّ عنهُ، ولا يَختلِطُ عليهِ قولٌ بفعلٍ، ولا عملُ هذا بعملِ هذا، ولا عملٌ أو قولٌ مُتأخِّرٍ عن مُتقدِّم، وقد قالَ سُبحانَه مُرهِّبًا: { يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }، وهوَ حافظٌ لِمخلوقاتِهِ مِن سماءٍ وأرضٍ، وما فيهِما، وما بينَهُنَّ، ولا يَؤدُهُ ويُثقِلُهُ هذا الحِفظ، لِقولِهِ سُبحانَهُ: { وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا }، وحافظٌ لِكتابِهِ القرآنِ عن التحريفِ والتبديلِ، لِقولِه سُبحانَهُ: { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }، وحافظٌ لِعبادِهِ مِمَّا يَكرهونَ، كما قالَ سُبحانَهُ: { لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ }، أي: جعلَ اللهُ للإنسانِ ملائكةً يَتعاقبونَ في الليلِ والنَّهار يحفظونَ بدَنَهُ ورُوحَهُ مِن كُلِّ مَن يُريدُهُ بِسُوءٍ، ويَحفظونَ عليهِ أقوالَهُ وأفعالَهُ { مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }، وحافظٌ لِعبادِهِ المُؤمنينَ بدَفعِهِ ودِفاعِهِ عنهُم، حيثُ قالَ سُبحانَهُ: { إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا }، أي: يَدفعُ عنهُم بسبَبِ إيمانِهِم شَرَّ الكفارِ والفُجَّارِ والظلَمَةِ والمُجرِمينَ، وشرَ وسوسَةِ الشيطانِ، وشُرورَ أنفُسِهِم، وسيِّئاتِ أعمالِهِم، ويُخفِّفُ عنهُم عندَ نُزولِ المَكارِهِ ما لا يَتحمَّلونَ، وكلُّ مُؤمنٍ لهُ مِن هذهِ المُدافعَةِ بحَسْبِ إيمانِهِ، فمُسْتقِلٌ مِن مُدافعةِ اللهِ عنهُ ومُستكثِر مِنها، كُلما كانَ أحفظَ لِحُدودِ اللهِ بفعلِ أوامِرِهِ واجتنابِ نواهيهِ كانَ حفظُ اللهِ لهُ أكثرُ وأكبرُ وأوسعُ، حيثُ ثبتَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ )).
فاشكُروا اللهَ ــ عبادَ اللهِ ــ: على نِعَمهِ عليكم، وحفظِهِ لكُم، فقدْ قالَ سُبحانَهُ: { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ }.
اللهمَّ: باعدَ بينَنا وبينَ ما حرَّمتَهُ علينا، وأعِنَّا على ذِكرِكَ وشُكرِكَ وحُسنِ عبادتِكَ، اللهمَّ: لا تُهلِكْنا بذُنوبِنا، ولا تُلهِنا بدُنيانا عن دِينِنا وآخِرتِنا، اللهمَّ: إنَّا نسألُكَ عِيشةً هنيَّة، ومِيتَتةً سوِّية، ومَرَدًّا غيرَ مُخْزٍ، اللهمَّ: وفِّق حُكَّامَ المسلمينَ لِحفظِ الإسلامِ ونُصرَتِهِ، وخَيرِ العِبادِ والبلادِ، اللهمَّ: ادفعِ الضُّرَ عن المسلمينَ وبلادِهِم، إنَّكَ سميعٌ مُجِيبُ، وأقولُ هذا، وأستغفرُ اللهِ لِي ولَكم.
تنبيه: هذه الخطبة فيها كلام كثير للإمامين ابن قيِّم الجوزية والسِّعدي.