سبع إشارات تتعلق باختلاف العلماء في تاريخ ولادة النبي محمد ﷺ
الحمد لله، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى.
وبعد:
فهذه سبع إشارة علمية نافعة تتعلق بتاريخ ولادة النبي ﷺ، أخذتها مِن عدد مِن كُتب أهل العلم والتأريخ والسِّيَر.
وأسأل الله ــ جلَّ وعلا ــ أنْ يَنفع بها الجامع لهَا، والقارئ، والباحث.
ثم أقول مُستعينًا بالله العزيز القدير ــ عزَّ وجلَّ ــ:
الإشارة الأولى:
قال الفقيه ابن بُرهان الدِّين الحلبي الشافعي ــ رحمه الله ــ في كتابه “السِّيرة الحلبية” (١/ ٨٤(:
«وقد وقع الاختلاف في وقت ولادته ﷺ، أي: هل كان ليلًا أو نهارًا.
وعلى الثاني: في أيِّ وقت مِن ذلك النَّهار، وفي شهره، وفي عامه، وفي محله».اهـ
قلت:
وقد اختلف العلماء ـ رحمهم الله ــ في وقت ولادة النبي ﷺ على أقوال:
القول الأول: أنَّ النبي ﷺ ولِد في شهر ربيع الأوَّل.
وقال الحافظ ابن كثير الشافعي ــ رحمه الله ــ:
«الجمهور على أنَّ ذلك كان في شهر ربيع الأوَّل».اهـ
ونَسبه لأكثر العلماء أيضًا:
ابن الحاج المالكي، وابن حَجَر العسقلاني الشافعي، وأبو العباس القسطلاني الشافعي.
ثم اختلف أهل هذا القول في أيِّ يوم مِن هذا الشهر.
١ ــ فقيل: في الثاني عشر مِن شهر ربيع الأوَّل.
ونصَّ عليه: ابن إسحاق، وغيره.
وقال الحافظ ابن كثير الشافعي ــ رحمه الله ــ:
«وهذا هو المشهور عن الجمهور».اهـ
2 ــ وقيل: في الثاني مِن شهر ربيع الأوَّل.
وجزَم به: ابن عبد البَر المالكي، وابن كثير الشافعي، وغيرهما.
3 ــ وقيل: في الثالث مِن شهر ربيع الأوَّل.
4 ــ وقيل: في الثامن مِن شهر ربيع الأوَّل.
وجزَم به كثيرون.
وقال الفقيه ابن دِحية المالكي ــ رحمه الله ــ:
«وهو الذي لا يَصح غيره، وعليه أجمع أهل التاريخ».اهـ
وقال الفقيه قطب الدِّين القسطلاني المالكي ــ رحمه الله ــ:
«هو اختيار أكثر أهل الحديث».اهـ
وقال الحافظ ابن كثير الشافعي ــ رحمه الله ــ:
«ونَقل ابن عبد البَر عن أصحاب التاريخ: أنَّهم صحَّحوه».اهـ
وقال الحافظ ابن حَجَر العسقلاني الشافعي ــ رحمه الله ــ:
«إنَّ مُقتضَى أكثر الاخبار».اهـ
وقال الفقيه أبو العباس القسطلاني الشافعي ــ رحمه الله ــ:
«وهو اختيار أكثر مَن له معرفة بهذا الشأن».اهـ
5 ــ وقيل: في العاشر مِن شهر ربيع الأوَّل.
وحكاه الدمياطي عن جعفر الباقر، وصحَّحه.
6 ــ وقيل: في السابع عشر مِن شهر ربيع الأوَّل.
7 ــ وقيل: في الثامن عشر مِن شهر ربيع الأوَّل.
8 ــ وقيل: في الحادي أو الثاني والعشرين مِن شهر ربيع الأوَّل.
القول الثاني: أنَّ النبي ﷺ ولِد في شهر رمضان.
١ ــ وقيل: في الثاني عشر مِن شهر رمضان.
وهو قول: الزُّبير بن بَكَّار.
2 ــ وقيل: في الثامن مِن شهر رمضان.
وقال الفقيه ابن بُرهان الدِّين الحلبي الشافعي ــ رحمه الله ــ عن هذا القول:
«وصحَّحه: كثير مِن العلماء».اهـ
وقال الحافظ ابن كثير الشافعي ــ رحمه الله ــ عن هذا القول:
«وهو شاذ».اهـ
القول الثالث :أنَّ النبي ﷺ ولِد في شهر ربيع الآخِر.
القول الرابع :أنَّ النبي ﷺ ولِد في شهر صفر.
القول الخامس: أنَّ النبي ﷺ ولِد في شهر الله المُحرَّم.
١ ــ قيل: في العاشر مِن شهر المُحرَّم.
وقال الحافظ الذهبي الشافعي ــ رحمه الله ــ عن هذا القول:
«مِن الإفك».اهـ
2 ــ وقيل: في الخامس مِن شهر المُحرَّم.
الإشارة الثانية:
وُلِد النبي ﷺ في يوم الاثنين بنص: السُّنة النَّبوية، وإجماع العلماء.
حيث أخرج الإمام مسلم في “صحيحه” (١١٦٢)، عن النبي ﷺ أنَّه:
(( سُئلَ عن صومِ يومِ الاثنين؟ فقال: «ذلكَ يومٌ وُلِدتُ فيهِ، ويوم بُعِثتُ أو أُنزِلَ عليَّ فيه )).
ونَقل الإجماع:
أبو الفرَج ابن الجوزي الحنبلي، وأبو زكريا النَّووي الشافعي، وابن كثير الشافعي، وغيرهم.
الإشارة الثالثة:
وُلِد النبي ﷺ على الأشهر وعند الأكثر: في عام الفيل.
وقال الفقيه ابن بُرهان الدِّين الحلبي الشافعي ــ رحمه الله ــ في كتابه “السِّيرة الحلبية” (١/ ٧٨):
«وكونه في عام الفيل:
قال الحافظ ابن كثير: “هو المشهور عند الجمهور”.
وقال إبراهيم بن المُنذر شيخ البخاري: “لا يَشُك فيه أحد مِن العلماء”.
ونَقل غير واحد فيه: الإجماع، وقال: “كل قول يُخالفه وهْم».اهـ
وقال الفقيه الصالحي الشامي ــ رحمه الله ــ:
«وبالغ خليفة بن خياط وابن الجزَّار وابن دِحيَة وابن الجوزي وابن القيِّم: فنقلوا فيه الإجماع».اهـ
ونقله: عن الأكثر أيضًا.
وقال الفقيه مُغلطاي الحنفي ــ رحمه الله ــ عن هذا الإجماع:
«فيه نظر».اهـ
وأخرج أحمد (17891)، والترمذي (3619)، والحاكم (4183 و 5919)، وغيرهم، عن قيس بن مَخْرَمَة ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال :(( وُلِدْتُ أنَا ورسولُ اللهِ ﷺ عامَ الفيل .((
وصحَّحه: الحاكم، وحسَّن إسناده: الذهبي، وقواه: الألباني بالشواهد.
وله شاهد ثابت عن ابن عباس ــ رضي الله عنه ــ مِن قوله عند الحاكم (4180)، والبَزَّار (4762 و 5017)، وغيرهما.
وصحَّحه: الحاكم، والذهبي، والألباني.
وذَكره الضِّياء في كتابه “المُختارة” (349).
الإشارة الرابعة:
قال الفقيه الصالحي ــ رحمه الله ــ في كتابه “سُبل الهُدى والرشاد في سيرة خير العباد” (١/ ٣٣٣):
«قال الحافظ أبو الفضل العراقي في “المورد:” الصواب أنَّه ﷺ ولِد في النهار، وهو الذي ذَكره أهل السِّير، وحديث أبي قتادة مُصرِّح بِه”.
ورَوى الأربعة عن سعيد بن المُسيب قال: (( ولِد رسول الله ﷺ عند إبهار النهار )).
وجزَم بِه: ابن دِحيَة، وصحَّحه: الزَّركشي».اهـ
الإشارة الخامسة:
يُنقل بعض المُتأخِّرين الإجماع على أمرين:
الأوَّل ــ أنَّ النبي ﷺ وُلِد في شهر ربيع الأوَّل.
الثاني ــ أنَّ النبي ﷺ وُلِد في اليوم الثاني عشر مِن شهر ربيع الأوَّل.
وهذا خطأ ظاهر.
لأنَّ الخلاف في الأمرين مشهور جدًا بين العلماء مِن المُتقدِّمين والمُتأخِّرين والمُعاصرين، ومِن مُختلِف البلدان والمذاهب الفقهية، ونقله أهل الفقه والحديث والتاريخ والسِّيَر والمغازي.
وقد تعقَّب الفقيه أبو العباس القسطلاني الشافعي هذا الإجماع.
فقال ــ رحمه الله ــ:
«وفيه: نظر.
فقد قيل: في صفر، وقيل: في ربيع الآخِر، وقيل: في رجب، ولا يَصح، وقيل: في شهر رمضان».اهـ
الإشارة السادسة:
جاء عن ابن عباس ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (( وُلِدَ رسولُ اللهِ ﷺ عامَ الفيلِ يومَ الاثنين الثاني عشرَ مِن شهرِ ربيعٍ الأوَّل )).
وهو أثر ضعيف.
وقد بينت ذلك في كتابي “التذكير الحثيث”.
وضعفه الحافظ ابن كثير الشافعي ــ رحمه الله ــ: بالانقطاع.
الإشارة السابعة:
قال الفقيه الصالحي الشامي ــ رحمه الله ــ:
«اختُلِف هل ولِد ﷺ بمكة أو غيرها؟
والصَّحيح الذي عليه الجمهور هو: الأوَّل.
واختُلِف في مكانه مِن مكة على أقوال:
أحدها :في الدار التي في الزُّقاق المعروف “بزُقاق المَولد”، في شِعبٍ مشهور بشِعب “بَنِي هاشم”.
الثاني :أنَّه ﷺ ولِد في شِعب بني هاشم.
الثالث :أنَّه ولِد ﷺ بالردم.
الرابع: بعُسْفان».اهـ
وينظر لِهذه الأقوال وللاستزادة هذه الكتب:
١ ــ “إمتاع الأسماع” (١/ ٦)، للمَقريزي الشافعي ــ رحمه الله ــ.
2 ــ “صِفة الصَّفوة” (١/ ٢٢)، لابن الجوزي الحنبلي ــ رحمه الله ــ.
3ــ” الاستيعاب” (١/ ٣٠)، لابن عبد البَر المالكي ــ رحمه الله ــ.
4 ــ “الرَّوض الأنف” (٢/ ١٥٨- ١٥٩)، للسهيلي ــ رحمه الله ــ.
5 ــ “السِّيرة الحلبية” (١/ ٨٤-٨٧)، لابن برهان الدِّين الحلبي الشافعي ــ رحمه الله ــ.
6 ــ” الفُصول في سِيرة الرسول” (ص:٩١-٩٢)، و “البداية والنهاية” (٢/ ٣١٩-٣٢٢)، لابن كثير الشافعي ــ رحمه الله ــ.
7 ــ “سُبل الهُدى والرَّشاد في سِيرة خير العباد” (١/ ٣٣٣-٣٣٨)، ليوسف الصالحي الشامي ــ رحمه الله ــ.
8 ــ “سيرة النبي ﷺ” (ص:١٢٠)، لابن فارس اللغوي ــ رحمه الله ــ.
9 ــ” المواهب اللدنية بالمِنح المُحمدية” (١/ ٨٤-٨٨(، لأبي العباس القسطلاني الشافعي ــ رحمه الله ــ.
10 ــ “شرح الزرقاني على المواهب اللدنية” (١/ ٣٤٣-٢٤٤).
وجمعه:
عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد.