توحيد الله، ومعناه، ووجوبه، والشرك، ومعناه، وتحريمه، وبعض صوره، وفضائل اجتنابه
الخطبة الأولى:ــــــــــــــــــــ
الحمدُ لله المُتفضِّل على مَن شاء مِن عباده بتحقيق التوحيد، والموت عليه، واجتناب الشرك وسُبله ودعاته، وأشهد أنْ لا إله إلَّا اللهُ وحده لا شريك، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله، أكرمُ مَن وحدَّ ربَّه ودعا إلى توحيده، وبيَّن فضائله، وأجلُّ مَن حذَّر مِن الشرك، وبيَّن أضراره، اللهم فصلِّ على عبدك ورسولك محمَّد، وعلى آله وأصحابه البَررة الكرام، وسلِّم تسليمًا كثيرًا على مرِّ الأعوام والعصور.
أمَّا بعد، أيها المسلمون:
إنَّ التَّوحيد أوَّلُ واجبٍ وأوجَبُ عبادةٍ كتبها الله تعالى على عباده مِن الإنس والجنِّ، وأعظمُ طاعةٍ، وأجلُّ حسنةٍ، وأفضل قُربة، فمَن حقَّقه في دنياه ومات عليه فقد ضمِن الجنَّة.
والتَّوحيد هو: إفراد الله وحده بجميع العبادات.
فلا تُصلِّ ولا تَصوم ولا تَحج ولا تَذبح ولا تَنذر إلَّا له، ولا تَطوف إلَّا له، وأين يكون طوافك هذا؟إنَّه حول الكعبة المُعظَّمة، لا حول قبر أحدٍ مِن الخَلْق وضريحه، ولا تتوجَّه بعبادة الدُّعاء وتَصرِفُها إلَّا إليه وحدَه، فتستغيث به وحدَه، وتستعيذ به وحدَه، وتطلب المَدَد والعَون والنُّصرة مِنه وحدَه، وتَسألُه وحدَه تفريج الكُرَب وإزالتَها، ولا تَطلب شفاعة أحدٍ لك يوم القيامة إلَّا منه، ولا تَدْع بجَلب أيِّ نفعٍ أو دفع أيِّ ضُرٍّ إلَّا إيَّاه.
فطلبُ الإعانة والإغاثة والإعاذة والمَدد والتَّفريج والنُّصرة والشِّفاء والشَّفاعة وإزالة الهُموم وقضاء الحوائِج ودفعِ الضُّرِّ دعاءٌ، والدُّعاء عبادة؛ والعبادة حقٌّ لله وحدَه، لا تُصرَف إلَّا إليه سبحانه، فهو الذي قضى بذلك، وحكَم به على جميع عباده، فقال سبحانه في سورة الإسراء: { وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ }.
وقال في سورة يوسف: { إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ }.
فمَن صَرَف جميع عباداته لله وحدَه فهو موحِّدٌ لِربِّه، ومِن أهل التَّوحيد، الذين هم أهل الجنَّة خالدين فيها أبداً.
وإنَّ الشِّرك أشدُّ محرَّم حرَّمه الله على عباده، وأعظمُ سيَّئة، وأكبَر ذنْب، وأشنَع معصية، وأقبَح خطيئة، ومَن وقع فيه، ومات ولم يتب مِنه، فقد مات كافرًا مشركًا، وكان مِن أهل النَّار الخالدين فيها أبدًا، حتى ولو صلَّى وصام وزكَّى وحجَّ وسبَّح وهلَّلَّ وقرأ القرآن.
والشِّرك هو: صَرْفُ العبادة أو شيءٍ مِنها لغير الله.
فمَن صَرَف عبادته أو شيئًا مِنها – ولو كانت عبادة واحدة – لغير الله فهو مُشركٌ، ومِن أهل الشِّرك، الذين هم أهل النَّار خالدين فيها أبدًا.
وإنَّ مِن أكثر صُوَر الشِّرك المُنتشرة بين النَّاس في الماضي والحاضر صَرْفَ عبادة الدُّعاء للملائكة أو الأنبياء والرُّسل أو الأولياء والصَّالحين.
فهذا يصرفُها لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم؛ فيدعوه قائًلا: “فَرِّج عنَّي يا رسول الله! يا رسول الله اشفع لي يوم القيامة”، وذاك يصرفُها للبدوي، فيدعوه قائلًا: “مَدَد يا بدوي” ــ يعني: أمِدَّنا بالعَون والنُّصرة وما نحتاج إليه، وآخَر يصرفُها للجَيْلاني، فيقول في دعائه له: “أغثني يا جَيْلاني”، وهذه تصرفُها للحسين، فتدعوه قائلة: “اشفني يا حسين! أجِرنا من النَّار يا حسين”، وأُخْرى تصرفُها لزينب، فتدعوها قائلة: “ادفَعي عنِّي يا زينب”، وذاك يصرفُها للعَيدرُوس، فيدعوه قائلًا: “احمنا يا عَيدرُوس”، وذاك يصرفُها للمِيرغني، فيدعوه قائلًا: “اكشِف ما بِنا يا مِيرغني، وهكذا.
وقد نهَى الله ــ عزَّ وجلَّ ــ وزجَر جميع العباد عن صرف عبادة الدعاء لغيره؛ فقال سبحانه في سورة الجِن: { فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا }.
أي: لا تدعو معَه أيّ أحدٍ لا ملَكًا مُقرَّبًا، ولا نبيًّا مُرسلًا، ولا وليًّا صالحًا، ولا غيرَهم.
وصحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال في بيان مآل وعقوبة مَن مات وهو يدعو مع الله غيره: (( مَنْ مَاتَ وَهْوَ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ نِدًّا دَخَلَ النَّارَ )).
أيها المسلمون:
إنَّ أكثر مَن يؤمنُ بالله تعالى مِن الناس، وأنَّه ربُّهم وخالقُهم ورازقُهم، والمالكُ لكلِّ شيء، والمُتصرِّفُ فيه بما يُريد، والقائِمُ على كلِّ نَفْس، والمُحِيي المميتُ لكلِّ أحد، يَقعُون في الشِّرك بالله سبحانه؛ فيصرفُون بعض عباداتهم لغير ربِّهم، حيث قال الله ــ جلَّ وعزَّ ــ في تبيِّين هذا الأمر لَنا في ختام سورة يوسف: { وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ }.
نعم! هو مع هذا الإيمان بالله ليس بمُوحِّدٍ، ولا مِن الموحِّدين، بل هو مشرك، ومِن المشركين؛ لماذا؟ لأنَّه قد أشرك المخلوقين مع الله في عبادته، فهو يَصرفُ بعض عباداته لِربِّه، وبعضَها لِغيره، يصرفُها لله وللمسيح ابن مريم ــ عليه السَّلام ــ وأُمِّه، أو لله والملائكة ــ عليهم السَّلام ــ، أو لله وبعض الصحابة ــ رضي الله عنهم ــ، أو لله وبعض الأولياء والصَّالحين، أو لله والجِنِّ، أو لله والأصنام، أو لله والكواكب.
أيها المسلمون:
إذا عَرَف العبدُ الشِّرك بالله، وأنَّه يَحصل بصرف ولو عبادة واحدة لغير الله ــ حتَّى ولو صُرِفت لمَلَكٍ مُقرَّب، أو نبيٍّ مُرسل، أو وَلِيٍّ صالح ــ، وعَرَف خطورة الشِّرك، وأنَّ الله لا يغفره لِمن مات ولم يتبْ مِنه، وأنَّه يُخرِج فاعلَه مِن الإسلام إلى الكُفر، ويَجعلُه مِن أهل النَّار الخالدين فيها، وعَرَف كثْرَة الواقعِين في الشِّرك مِن النَّاس على مَرِّ العصور، ومُختلَف البلدان، وأنَّه قد وقع فيه الصِّغار والكِبار، والرِّجال والنِّساء، والعُقلاء والأذكياء، والمتعلِّمُون الماهرُون بالقراءة والكتابة الحاصلون على أعلَى الشَّهادات، والأُمِّيون الجاهلُون بالقراءة والكتابة، زاد خوفُه مِن الشِّرك؛ فخاف على نَفْسه أنْ تقع فيه، وأنْ يَنتقل بسببه مِن طهارة التَّوحيد وجماله إلى نجاسة الشِّرك وخُبثه، وأنْ يُصبح مُشركًا بعد أنْ كان مُوحِّداً، وأنْ يَتبدَّل عبادة ربِّ العباد بعبادة العباد.
وكيف لا يَخاف الشِّرك على نَفْسِه وقد خافَه مَن هو أعلَى مِنه مقامًا في التَّوحيد، وشهد الله له بتحقيقه والأُسوة فيه، والدَّعوة إليه وتحمُّل الأذيَّة في سبيله، ومُصارمة مُخالفِيه وبُغضِهم حتَّى ولو كانوا مِن أهله الأقربين وقومه، وبرَّأه مِن الشِّرك، وأنَّه لم يك مِن المشركين؛ أَلَا وهو خليل الله إبراهيم ــ عليه السَّلام ــ، حيث خاف على نَفْسِه وعلى بنِيه مِن الوقوع في الشِّرك، بصرف العبادة لغير ربِّهم، فَدَعَا الله بالسَّلامة مِنه له ولَهُم؛ فقال: { وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاس }.
أيها المسلمون:
إنَّ أعظم نِعم الله على عباده في حياتهم الدُّنيا هي تَسلِيمُه لهم مِن الشِّرك به في عبادته، وجَعْلُهُم مِن أهل التَّوحيد الذين لا يَصرفون العبادة إلَّا لله ربِّهم سبحانه.
وقد حصلت هذه النِّعمةُ الجليلة لأعدادٍ كثيرة مِن النَّاس على مَرِّ العُصور، ومِن مُختَلَف الأقطار، حيث أكرمَهم ربُّهم فعرَّفهم وبصَّرهم بالشِّرك وخطرِه وقُبحِه، وجنَّبهم إيَّاه، وصَرَفهم عنه، وكرَّهَهُ إلى قلوبهم، ولم تَحصل لهم عن استحقاقٍ وذَكَاء، بل بفضل ربِّهم، وتَفضُّلِه عليهم، ورحمته بِهم، ولهذا ردَّ نبيُّ الله يوسف ــ عليه السَّلام ــ التفضُّلَ بهذه النِّعمة عليه وعلى آبائه وعلى النَّاس إلى ربِّه سبحانه وحدَه؛ فقال للسَّجِينَين معه مُمتنًّا لربِّه، وشاكرًا، ومُعترفًا له بالفضل: { إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ }.
بارك الله لي ولكم في ما سمعتم، ونفعنا به، وغفر لنا، إنَّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:ــــــــــــــــــــ
الحمد لله الذي هدانا لتوحيده بإفراده بالعبادة وحده، وأكرَمنا باجتناب الشِّرك به في عبادته، وما كُنَّا لنهتدي لولا أنْ هدانا الله، واُصَلِّ وأُسَلِّم على كافة النَّبيِّين، وعلى آلِ كُلٍ وصحابَتِهم وأتباعهم المؤمنين.
أما بعد، أيها المسلمون:
إنَّ فضائل وبركات وخيرات اجتناب الشِّرك بالله في عبادته كثيرةٌ وعظيمة جدًّا، وإنَّ السعيد لمَن عرَفَها؛ فشكرَ ربَّه عليها، وسعَى في أنْ يكون مِن أهلها المُكْرَمين بِها.
فمِن هذه الفضائل1:
أنَّ مَن مات وهو لا يُشرك مع الله أحدًا في عبادته فهو مِن أهل الجنَّة الخالدين فيها أبدًا، حتَّى ولو زَلَّ فوقعت مِنه ذنوبٌ كبار، وسيِّئات عِظام، وآثام شداد، لِمَا صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( ذَلِكَ جِبْرِيلُ – عَلَيْهِ السَّلاَمُ -، عَرَضَ لِي فِي جَانِبِ الحَرَّةِ، قَالَ: بَشِّرْ أُمَّتَكَ أَنَّهُ مَنْ مَاتَ لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الجَنَّةَ، قُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ! وَإِنْ سَرَقَ، وَإِنْ زَنَى؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: قُلْتُ: وَإِنْ سَرَقَ، وَإِنْ زَنَى؟، قَالَ: «نَعَمْ، وَإِنْ شَرِبَ الخَمْرَ )).
ومِن هذه الفضائل2:
أنَّ مَن مات وهو لا يُشرك مع الله أحدًا في عبادته فإنه تُرْجى له المغفرة العظيمة، وإنْ كثُرت خطاياه، وتزايدت آثامه، وتعدَّدت معاصيه، لِمَا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ! إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً )).
ومِن هذه الفضائل3:
أنَّ مَن مات وهو لا يُشرك مع الله أحدًا في عبادته فقد حقَّق الشَّرط الذي تُنال به شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة؛ إذ لا ينالها إلا مَن مات وهو لا يُشرك مع الله أحدًا في عبادته، لِمَا صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ، فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعْوَتَهُ، وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَهِيَ نَائِلَةٌ إِنْ شَاءَ اللهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا )).
ومِن هذه الفضائل4:
أنَّ الله يَقبل شفاعة ودعاء المُصلِّين الأربعين على الميت المسلم إذا كانوا ممَّن لا يُشرك مع الله أحدًا في عبادته، لِمَا صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( مَا مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ، فَيَقُومُ عَلَى جَنَازَتِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلًا، لَا يُشْرِكُونَ بِاللَّهِ شَيْئًا، إِلَّا شَفَّعَهُمُ اللهُ فِيهِ )).
ومِن هذه الفضائل5:
جَلْب الخيرات العظيمة ودفْع الشُّرور الكثيرة والكبيرة عن العبد وآل بيته، حيث صحَّ عن ابن مسعود ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (( وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ! مَا أَصْبَحَ عِنْدَ آلِ عَبْدِ اللَّهِ شَيْءٌ يَرْجُونَ أَنْ يُعْطِيَهُمُ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا أَوْ يَدْفَعَ عَنْهُمْ بِهِ سُوءًا إِلَّا أَنَّ اللَّهَ قَدْ عَلِمَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا )).
ومِن هذه الفضائل6:
حصول الأمْن في الدنيا لأهل التوحيد الذين حافظوا على توحيدهم إلى الممات فلم يلبسوه ويدنسوه بظلم الشرك، فيأمنون مِن نزول العقوبات التي نزلت بمَن كان قبلهم مِن الأمم بسبب عدم اجتنابهم الشرك في عبادة الله، ويأمنون في بلدانهم على أنفسهم وعلى أهليهم وعلى أموالهم وفي أسفارهم وإقامتهم مِن تسلُّط الأعداء وشُرورهم ومكائدهم، وتأمَن قلوبهم مِن المَخاوِف والأفزاع والتَّقلُبات، لأنها متعلِّقةٌ بالله ربِّها، مُتوكِّلةٌ عليه، لا ترجو ولا تخشى أحدًا سواه، حيث قال الله سبحانه في سورة الأنعام وفي ختام آيات المُحاجَّة بين نبيه إبراهيم ــ عليه السلام ــ وقومه في شأن الشِّرك: { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ }.
وصحَّ عن ابن مسعود ــ رضي الله عنه ــ أنه قال: (( لَمَّا نَزَلَتْ: { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ } شَقَّ ذَلِكَ عَلَى المُسْلِمِينَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّنَا لاَ يَظْلِمُ نَفْسَهُ؟ قَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ الشِّرْكُ أَلَمْ تَسْمَعُوا مَا قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ: { يَا بُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } )).
وقال الإمام ابن قيم الجوزية ــ رحمه الله ــ عند ذِكره لهذا الحديث العظيم:
فالتوحيد مِن أقوى أَسباب الأَمْن مِن المَخاوِف، والشِّرك مِن أعظم أَسباب حصول المِخاوِف.اهـ
اللهم مُنَّ علينا وأكرمنا بأنْ نكون مِن عبادك الموحِّدين الذين لا يُشركون بك شيئًا حتى نلقاك، اللهم جنِّبنا وجنِّب أهلينا الشِّرك قليله وكثيره، صغيره وكبيره، اللهم وفِّق جميع وُلَاة أمور المسلمين للقضاء على الشِّرك وأسبابه، وقَمع أهله ودعاته وقنواته، اللهم أعنَّا على ذِكرك وشُكرك وحُسن عبادتك، اللهم جنِّبنا الفتن ما ظهر مِنها وما بطن، اللهم قاتل اليهود والنصيريين والخوارج ومَن عاونهم بسلاح أو رأي أو إعلام، واشدُد وطأتك عليهم، وأنزل بهم بأسك الذي لا يُردُّ عن القوم المجرمين، ربَّنا لا تُزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لَنا مِن لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، وأقول قولي هذا، واستغفر الله لي ولكم.