إغلاق
موقع: "عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد" العلمي > المقالات > البدع > مقال بعنوان: ” التَّذكِيرُ الحَثِيث بأنَّه لا يصِحُّ في تحديد تاريخ حادِثة الإسْراء والمِعراج أثرٌ ولا حديث “.

مقال بعنوان: ” التَّذكِيرُ الحَثِيث بأنَّه لا يصِحُّ في تحديد تاريخ حادِثة الإسْراء والمِعراج أثرٌ ولا حديث “.

  • 14 مايو 2015
  • 5٬015
  • إدارة الموقع

التَّذكِيرُ الحَثِيث بأنَّه لا يصِحُّ في تحديد تاريخ حادِثة الإسْراء والمِعراج أثرٌ ولا حديث

الحمد لله الذي أنعم على الخلق ورحمهم بإرسال المرسلين، وأيَّد إرسالهم بالمعجزات والحُجج والبراهين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين، وسيِّد ولد آدم أجمعين، الذي أظهر الله برسالته الإسلام بعد اندراس قواعده، وأُفول شُموخه، ونِسيان آياته، وعلى آل بيته وأصحابه الذين هُم بهديه مستمسكون، ومَن على سبيله في كل عصر وأَوَان إلى الله يسير.

أمَّا بعد، أيُّها الفضلاء النُّبهاء ــ شرَّفكم الله بالاستقامة على السُّنَّة النَّبوية إلى الممات ــ:

فقد شاع عند كثير مِن المسلمين ــ سدَّدهم الله إلى مراضيه ــ:

[ أنَّ حادثة “الإسْراء والمِعراج” كانت في السابع والعشرين مِن شهر رجب ].

وهذا الاعتقاد لا يُثبِته حديث نبويٌّ صحيح، ولا يُقوِّيه أثرٌ عن أحد مِن أصحاب النَّبي صلى الله عليه وسلم، ولا اتَّفق عليه أهل التأريخ والسِّير، ولا ذهب إليه أكثرهم.

فكتبت هذا الجزء عن تأريخ حصولها، ودَوَّنْتُ كل ما وقفت عليه مِن كلام لأهل العلم مِن فقهاء ومُحدِّثين ومؤرِّخين، تصحيحًا لهذا الاعتقاد، وتبصيرًا لأهل البحث والمعرفة، وتنبيهًا لِـمَـا قد يقع في هذا التاريخ مِن أقوال وأفعال أو احتفالات تُخالف الشرع، وتُبايِن ما كان عليه سَلف الأمَّة الصالح.

وأسأل الله أنْ ينفع به الكاتب، والقارئ، والناشر، إنَّه جواد كريم.

وقد جعلت الكلام عن هذه الحادثة العظيمة، والمعجزة الباهرة، في ثلاثة مباحِث:

المَبْحَث الأوَّل / عن زمَن وقوع حادثة “الإسْراء والمِعراج”، وأنَّه لم يَثبت فيه حديث نبويّ.

لم يَثبت في تحديد زمَن وقوع حادثة “الإسراء والمعراج” حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ودونكم ــ سلَّمكم الله ــ بعض كلام أهل العلم في تأكيد عدم ثبوت ذلك.

1 ــ قال الإمام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحرَّاني الدمشقي المولود سَنة (661هـ) ــ رحمه الله ــ كما في كتاب “زاد المعاد” (1/ 54):

لم يَقم دليل معلوم لا على شهرها، ولا على عشرها، ولا على عينها، بل النقول في ذلك منقطعة مختلفة، ليس فيها ما يُقطع به.اهـ

2 ــ قال العلامة الشريف محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني المولود سَنة (1099هـ) ــ رحمه الله ــ في كتابه “التنوير شرح الجامع الصغير” (9/ 303 ــ رقم:7710):

هي ليلة مُعيَّنة، لم يَرد بتعيينها سُنَّة صحيحة.اهـ

3 ــ قال العلامة المحدِّث عبد العزيز بن عبد الله ابن باز النَّجدي ــ رحمه الله ــ المولود سنة (1330هـ) كما في “مجموع فتاويه” (1/ 183):

وهذه الليلة التي حصل فيها الإسراء والمعراج لم يأت في الأحاديث الصحيحة تعيينها لا في رجب، ولا غيره، وكل ما ورد في تعيينها فهو غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل العلم بالحديث.اهـ

قلتُ:

وقد اختلف العلماء ــ رحمهم الله ــ في تحديد زمَن وقوعها اختلافـًا كثيرًا.

ودونكم ــ سلَّمكم الله ــ ما وقفت عليه مِن أقوال:

القول الأول: أنَّها كانت في شهر رجب.

ونُسِب هذا القول إلى بعض القُصاص، وبه قال ابن الجوزي وعبد الغني المقدسي مِن الحنابلة، والنَّووي مِن الشافعية في أحد أقواله الثلاثة، وابن خلكان.

وقد ردَّ أو نفى صحة حديث فيه غير واحد من أهل العلم.

ومِمَّن تكلم عنه هؤلاء:

أولًا ــ الفقيه المُحدِّث أبو الخطَّاب الأندلسي المالكي الشهير بابن دحية الكلبي ــ رحمه الله ــ المولود سنة (546هـ) في كتابه “أداء ما وجب مِن بيان وضْع الوضَّاعِين في رجب” (ص:110) إذ قال:

وذَكَر بعض القُصَّاص أنَّ الإسراء كان في رجب، وذلك عند أهل التعديل والتجريح عين الكذب.اهـ

وقال في كتابه “الابتهاج في أحاديث المعراج” (ص:9):

وقيل: كان الإسراء في رجب، وفي إسناده رجال معروفون بالكذب. اهـ

وقد نَقل كلامه أيضًا:

شهاب الدين أبو شامة المقدسي الشافعي ــ رحمه الله ــ المولود سنة (599هـ) في كتابه “الباعث على إنكار البدع والحوادث” (ص:232)، وابن حجر العسقلاني الشافعي ــ رحمه الله ــ المولود سنة (773هـ) في كتابه “تبيين العَجب بما ورد في شهر رجب” (ص:23).

ولم يتعقَّبانه بشيء.

ثانيًا ــ الفقيه علي بن إبراهيم ابن العطَّار الشافعي الدمشقي ــ رحمه الله ــ المولود سنة (654هـ) في كتابه “حكم صوم رجب وشعبان وما الصواب فيه عند أهل العلم والعِرفان وما أُحدِث فيهما وما يلزمه مِن البدع التي يتعيَّن إزالتها على أهل الإيمان” (ص:34) إذ قال:

وقد ذكر بعضهم أنَّ المِعراج والإسراء كان فيه، ولم يَثبت ذلك.اهـ

ثالثًا ــ الحافظ أبو الفداء إسماعيل ابن كثير القرشي الدمشقي الشافعي ــ رحمه الله ــ المولود سنة (701 هـ) في كتابه “البداية والنهاية” (3/ 108) إذ قال:

وقد أورَد حديثًا لا يصح سَنده، ذكرناه في”فضائل شهر رجب” أنَّ الإسراء كان ليلة السابع والعشرين مِن رجب، والله أعلم.

ومِن الناس مَن يزعم أنَّ الإسراء كان أول ليلة جمعة مِن شهر رجب، وهى ليلة الرغائب التي أُحدِثت فيها الصلاة المشهورة، ولا أصل لذلك.اهـ

رابعًا ــ الحافظ أبو الفرج زين الدين عبد الرحمن ابن رجب الحنبلي البغدادي ــ رحمه الله ــ المولود سنة (737هـ) في كتابه “لطائف المعارف” (ص:177) إذ قال:

ورُوي بإسنادٍ لا يصحّ عن القاسم بن محمد أنَّ الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم كان في سابع وعشرين مِن رجب، وأنكر ذلك إبراهيم الحربي، وغيره.اهـ

خامسًا ــ عبد العزيز بن عبد الله ابن باز النَّجدي ــ رحمه الله ــ المولود سنة (1330هـ) كما في “مجموع فتاويه” (4/ 282) إذ قال:

أمَّا ليلة الإسراء والمعراج فالصحيح مِن أقوال أهل العلم أنَّضها لا تُعرف, وما ورد في تعيينها مِن الأحاديث فكلها أحاديث ضعيفة لا تصح عن النبي صلى الله عليه وسلم, ومَن قال: إنَّها ليلة سبع وعشرين مِن رجب فقد غلط، لأنَّه ليس معه حُجَّة شرعية تؤيد ذلك.اهـ

وقال أيضًا (1/ 192):

الصحيح مِن أقوال العلماء أنَّها لا تُعرف, وقول مِن قال: أنَّها ليلة سبع وعشرين مِن رجب, قولٌ باطل لا أساس له في الأحاديث الصحيحة.اهـ

وقال أيضًا (1/ 183):

وهذه الليلة التي حصل فيها الإسراء والمِعراج لم يأت في الأحاديث الصحيحة تعيينها لا في رجب، ولا غيره، وكل ما ورد في تعيينها فهو غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل العلم بالحديث، ولله الحكمة البالغة في إنساء الناس لها.اهـ

سادسًا ــ محمد بن صالح العثيمين النَّجدي ــ رحمه الله ــ المولود سنة (1347هـ) كما في “مجموع فتاويه ورسائله” (22/ 280) إذ قال:

يَظن بعض الناس أنَّ الإسراء والمِعراج كان في رجب، في ليلة سبعة وعشرين، وهذا غلط، ولم يصحّ فيه أثَر عن السَّلف أبدًا، حتى إنَّ ابن حزم ــ رحمه الله ــ حكَى الإجماع على أنَّ الإسراء والمِعراج كان في ربيع الأوَّل، ولكن الخلاف موجود، فلا إجماع، وأهل التاريخ اختلفوا في هذا على نحو عشرة أقوال، ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية ــ رحمه الله ــ:

“كلُّ الأحاديث في ذلك ضعيفة منقطعة مختلفة لا يُعوَّل عليها”.

إذن ليس المِعراج في رجب، وأقرَب ما يكون أنَّه في ربيع.اهـ

وقال أيضًا (20/ 69):

يظنون أنَّها ليلة الإسراء والمِعراج، والواقع أنَّ ذلك لم يَثبت مِن الناحية التاريخية، فلم يَثبت أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أُسرِي به في تلك الليلة، بل إنَّ الذي يظهر أنَّ المعراج كان في ربيع الأول.اهـ

وقال أيضًا (22/ 274):

وأمَّا الإسراء والمِعراج الذي اشتهر عند كثير من الناس أو أكثرهم أنَّه في رجب، وفي ليلة السابع والعشرين مِنه، فهذا لا صِحة له إطلاقًا، وأحسن وأظهر الأقوال أنَّ الإسراء والمِعراج كان في ربيع الأوَّل.اهـ

وقال أيضًا كما في كتاب “نور على الدرب” (1/ 576):

ثُمَّ إنَّنا نقول أيضًا:

إنَّ ليلة المِعراج لم يَثبت مِن حيث التاريخ في أيِّ ليلة هي، بل إنَّ أقرب الأقوال في ذلك ــ على ما في هذا مِن النَّظر ــ أنَّها في ربيع الأوَّل، وليست في رجب، كما هو مشهور عند الناس اليوم، فإذن لم تصحّ ليلة المِعراج التي يزعُم الناس أنَّها ليلة المعراج، وهي ليلة السابع والعشرين مِن شهر رجب، لم تصحّ تاريخيًّا، كما أنَّها لم تصحّ شرعًا.اهـ

القول الثاني: أنَّها كانت في ليلة سبع وعشرين مِن شهر ربيع الأوَّل.

وبه قال الإمام المُحدِّث الفقيه اللُّغوي المؤرخ أبو إسحاق الحربي، وأبو الخطَّاب ابن دحية مِن المالكية، والنَّووي مِن الشافعية في أحد أقواله الثلاثة، والقاضي زين الدين ابن المنير الإسكندري المالكي.

فقال أبو الخطَّاب الأندلسي المالكي الشهير بابن دحية الكلبي ــ رحمه الله ــ المولود سنة (546هـ) في كتابه “الابتهاج في أحاديث المعراج” (ص: 6-7):

وكان الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة سبع وعشرين مِن شهر ربيع الأوَّل، قاله الإمام العالم أبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق الحربي.اهـ

القول الثالث: أنَّها كانت في ليلة سبع عشرة مِن شهر ربيع الأوَّل.

ونَسب ابن سيَّد الناس اليَعمري الأندلسي الشافعي ــ رحمه الله ــ المولود سنة (671هـ) في كتابه “عيون الأثر” (1/ 148) هذا القول إلى:

عائشة، وأمِّ سلمة، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وابن عباس، مِن الصحابة.

ثُمَّ قال:

وهذا هو المشهور.اهـ

وقال شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السَّخاوي المصري الشافعي ــ رحمه الله ــ المولود سنة (831هـ) كما في كتاب “الأجوبة المرْضية فيما سُئل السَّخاوي عنه مِن الأحاديث النبوية” (2/ 445 ــ سؤال رقم:112):

قد اختُلِف في ليلة الإسراء، فقيل: لسبع عشرة خلت مِن ربيع الأوَّل قبل الهجرة بسَنة، وقيل: ليلة سبع وعشرين مِن ربيع الآخِر، وقيل: ليلة السبت لسبع عشرة خلَت مِن رمضان قبل الهجرة بسَنة ونصف، وقيل غير ذلك، والأوَّل هو المشهور، فقد روي عن عائشة، وأمِّ سلمة، وأمِّ هانئ، وابن عمر، وابن عباس ــ رضي الله عنهم ــ.

وقال الحافظ ابن سعد ــ رحمه الله ــ في كتابه “الطبقات الكبرى” (1/ 166):

أخبرنا محمد بن عمرو الأسلمي، قال: حدثني أسامة بن زيد الليثي، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه.

قال: وحدثني موسى بن يعقوب الزَّمْعِيّ، عن أبيه، عن جدِّه عن أمِّ سلمة.

قال موسى: وحدثني أبو الأسود، عن عائشة.

قال محمد بن عمر: وحدثني إسحاق بن حازم، عن وهْب بن كَيْسان، عن أبي مُرَّة مولى عَقيل، عن أمِّ هانىء ابنة أبي طالب.

وحدثني عبد الله بن جعفر، عن زكريا بن عمرو، عن ابن أبي مُليكة، عن ابن عباس.

وغيرهم قد حدثني، دخل حديث بعضهم في حديث بعض، قالوا:

(( أُسْرِي برسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة سبع عشرة مِن شهر ربيع الأوَّل قبل الهجرة بسَنة، مِن شِعب أبي طالب إلى بيت المقدس… )).

وإسناده ضعيف جدًا؛ لأنَّه مِن طريق محمد بن عمر بن واقد الواقدي.

وقد قال عنه علي ابن المَدِيني والبخاري ومسلم والنسائي: متروك الحديث.

وقال أحمد بن حنبل: كذاب.

وقال الذهبي: مجمعٌ على تركه.

القول الرابع: أنَّها كانت في شهر ربيع الآخِر.

وبه قال القاضي عياض مِن المالكية، والنَّووي مِن الشافعية في أحد أقواله الثلاثة.

القول الخامس: أنَّها كانت في ليلة السبت لسبع عشرة خلت مِن شهر رمضان.

حيث قال الحافظ ابن سعد ــ رحمه الله ــ في كتابه “الطبقات الكبرى” (1/ 1/ 142-143):

أخبرنا محمد بن عمر، عن أبي بكر بن عبد الله بن سَبْرَة وغيره مِن رجاله، قالوا:

(( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل ربه أنْ يُريه الجنة والنار، فلما كان ليلة السبت لسبع عشرة خلت مِن شهر رمضان قبل الهجرة بثمانية عشر شهرًا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نائم في بيته ظهرًا أتاه جبريل وميكائيل فقال: انطلق…)).

وإسناده ضعيف جدًا، لأنه مِن طريق محمد بن عمر بن واقد الواقدي.

وقد قال عنه علي ابن المَدِيني والبخاري ومسلم والنسائي: متروك الحديث.

وقال أحمد بن حنبل: كذاب.

وقال الذهبي: مُجمع على تركه.

القول السادس: أنَّها كانت في شهر شوال.

وبه قال المَاوردي مِن الشافعية.

القول السابع: أنَّها كانت في شهر ذِي القَعْدة.

وأشار إليه الحافظ ابن كثير الدمشقي الشافعي ــ رحمه الله ــ في كتابه “البداية والنهاية” (2/ 107).

القول الثامن: أنَّها كانت في ليلة تسع وعشرين مِن شهر رمضان.

وأشار إليه جمال الدين القاسمي الشّامي ــ رحمه الله ــ في تفسيره “محاسن التأويل” (6/ 431).

القول التاسع: أنَّها كانت في الثاني عشر مِن شهر ربيع الأوَّل.

حيث قال الحافظ ابن كثير الدمشقي الشافعي ــ رحمه الله ــ المولود سنة (701 هـ) في كتابه “”البداية والنهاية” (3/ 108):

وقال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا عثمان [كذا]، عن سعيد بن مِيناء، عن جابر وابن عباس، قالا:

(( وُلد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل يوم الاثنين الثاني عشر مِن ربيع الأول، وفيه بُعث، وفيه عُرج به إلى السماء، وفيه هاجر، وفيه مات )).

فيه انقطاع.اهـ

والمُنقطع مِن أنواع الحديث الضعيف.

وقال ــ رحمه الله ــ في موضع آخَر (2/ 242):

ورواه ابن أبي شيبة في “مصنفه” عن عفان، عن سعيد بن مِيناء، عن جابر وابن عباس أنَّهما قالا:

(( ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل يوم الاثنين الثاني عشر مِن شهر ربيع الأول، وفيه بُعث، وفيه عُرج به إلى السماء، وفيه هاجر، وفيه مات )).اهـ

قلتُ:

ولم أجد هذا الأثر في عِدَّة نُسخ مِن “مصنف ابن أبي شيبة”، ولا وجدته في “مسنده”.

وقد جاء في الإسناد الأوَّل: “عن عثمان”.

وفي الإسناد الثاني: “عن عفان”.

وهو الصواب.

وهذا الإسناد مُنقطع كما ذكر الحافظ ابن كثير ــ رحمه الله ــ عقبه؛ لأنَّ عفَّان بن مسلم لم يُدرك التابعي سعيد بن مِيناء.

وقد قال الحافظ ابن حجر العسقلاني الشافعي ــ رحمه الله ــ في كتابه “تقريب التهذيب” (2403) في شأن سعيد بن مِيناء:

مِن الثالثة.اهـ

والمراد بــ(الثالثة): الطبقة الوسطى مِن التابعين.

وأمَّا عفان بن مسلم ــ رحمه الله ــ فقد كانت وفاته سنة (219هـ)، وقيل: سنة (220هـ).

وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني الشافعي ــ رحمه الله ــ في كتابه “تقريب التهذيب” (4625) في شأنه:

مِن كبار العاشرة.اهـ

والمراد بــ(كبار العاشرة): كبار الآخِذين عن تَبَع الأتباع مِمَّن لم يَلقَ التابعين.

وقال الحافظ الجوزقاني ــ رحمه الله ــ في كتابه “الأباطيل والمناكير والصِّحاح والمشاهير” (1/ 126-127ــ رقم:122):

أخبرنا أبو الفضل محمد بن طاهر بن علي الحافظ، أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد قال: حدثنا عيسى بن علي بن علي بن عيسى إملاء قال: حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا عفان، عن سَليم بن حيَّان، عن سعيد بن مِيناء عن جابر بن عبد الله الأنصاري وعبد الله بن عباس أنَّهما قالا:

(( ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفيل، يوم الاثنين الثاني عشر مِن شهر ربيع الأوَّل، وفيه بُعث، وفيه عُرج إلى السماء، وفيه هاجر، وفيه مات صلى الله عليه وسلم )).

ومحمد بن طاهر شيخ الجوزقاني.

قد قال عنه أبو زكريا يحيى بن منده: كان صدوقـًا.

وقال شيرويه بن شهردار: كان ثقة صدوقـًا حافظـًا.

وقال ابن ناصر: لا يُحتجُّ به، صنَّف في جواز النظر إلى الـمُرد.

وقال أبو سعد السمعاني: سألت إسماعيل بن محمد الحافظ عن ابن طاهر، فتوقف، ثم أساء الثناء عليه.

وقال ابن عساكر: مصنفاته كثيرة لكنه كثير الوهم.

وأمَّا أحمد بن محمد فهو أبو طاهر السِّلفي.

وقد قال عنه ابن نقطة: كان السِّلفي جوَّالًا في الآفاق حافظًا ثقة مُتقنًا.

وقال السَّمعاني: السِّلفي ثقة ورع مُتقن متثبِّت فهِم حافظ.

وقال الذهبي: وكان مُتقنًا مُتثبتًا ديِّـنًا خيِّرًا حافظًا ناقدًا.

وأبو القاسم عيسى بن علي بن عيسى بن الجرَّاح.

قال عنه الخطيب: كان ثبت السَّماع، صحيح الكتاب.

وقال الذهبي: أملى مجالس عن البغوي وطبقته، ووقع مِن عواليه، وسماعاته صحيحة.

وباقي رجال الإسناد ثقات.

وهذا الإسناد فيه ذِكْرُ الواسطة بين عفان بن مسلم وسعيد بن مِيناء وهو سَليم بن حيَّان.

ولعلَّ الأرجح أنَّ ذِكر سَليم بن حيَّان خطأ، فيبقى الأثر على انقطاعه.

ويدل عليه هذه الأمور:

الأول: أنَّ الحافظ ابن كثير ــ رحمه الله ــ قد وقف على هذا الأثر في “مصنف ابن أبي شيبة”، بدون ذِكر الواسطة، وحكم عليه بالانقطاع، فيُقدَّم على ما في كتاب “الأباطيل” للجوزقاني.

الثاني: أنَّ ابن ناصر الدين الدمشقي ــ رحمه الله ــ في كتابه “جامع الآثار في السير ومولد المختار” (2/ 498-499) قد أكَّد ما ذَكره ابن كثير مِن الانقطاع، فأسنده عن ابن أبي شيبة بدون ذِكر الواسطة، فقال:

وروى أبو بكر بن أبي شيبة، عن عفان، عن سعيد بن مِيناء، عن جابر وابن عباس ــ رضي الله عنهما ــ قالا:

(( ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل، يوم الاثنين الثاني عشر مِن شهر ربيع الأوَّل، وفيه بُعث، وفيه عُرج به إلى السماء، وفيه هاجر، وفيه مات )).

الثالث: أنَّ في سند الحافظ الجوزقاني ــ رحمه الله ــ محمد بن طاهر، وهو مُتكلَّم فيه.

وقد قال عنه ابن عساكر ــ رحمه الله ــ:

لكنه كثير الوهم. اهـ

فلعلَّ ذِكر الواسطة مِن أوهامه.

الرابع: أنَّ الإمام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني الدمشقي المولود سنة (661هـ ) ــ رحمه الله ــ كما في كتاب “زاد المعاد” (1/ 54) قد قال عن ليلة الإسراء والمِعراج:

لم يقُم دليل معلوم لا على شهرها، ولا على عشرها، ولا على عينها، بل النقول في ذلك منقطعة مختلفة، ليس فيها ما يُقطع به.اهـ

وقال العلامة الشريف محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني المولود سنة (1099هـ) ــ رحمه الله ــ في كتابه “”التنوير شرح الجامع الصغير” (9/ 303ــ رقم:7710):

هي ليلة معيَّنة، لم يَرد بتعيينها سُنَّة صحيحة.اهـ

وقال العلامة عبد العزيز بن عبد الله ابن باز النَّجدي ــ رحمه الله ــ المولود سنة (1330هـ) كما في “مجموع فتاويه” (1/ 183):

وهذه الليلة التي حصل فيها الإسراء والمِعراج لم يأت في الأحاديث الصحيحة تعيينها لا في رجب، ولا غيره، وكل ما ورد في تعيينها فهو غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل العلم بالحديث.اهـ

أما بالنِّسبة لسماع سعيد بن مِيناء مِن جابر وابن عباس ــ رضي الله عنهما ــ .

 فقد قال الإمام البخاري ــ رحمه الله ــ في كتابه “التاريخ الكبير”” (3/ 512 ــ رقم:1701):

سعيد بن مِيناء مولى البَخْتري المكِّي أبو الوليد، سمع جابر بن عبد الله وأبا هريرة، روى عنه سَليم بن حيَّان وزيد بن أبي أُنيسة.اهـ

وأشار الأئمة المِزِّي والذهبي وابن حجر العسقلاني ــ رحمهم الله ــ إلى أنَّ حديثه عن جابر بن عبد الله مُخرَّج عند البخاري، ومسلم، وأبي داود، والترمذي، وابن ماجه.

ولم أقف على نصٍّ لأحد أنَّه رَوى عن ابن عباس، لكن ذكروا روايته عن جابر، وأبي هريرة، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن الزبير ــ رضي الله عنهم ــ.

المبحث الثاني / عن ذِكر بعض مَن أشار مِن العلماء إلى الاختلاف في زمَن حصول “حادثة الإسْراء والمِعراج” مِن جهة اليوم والشهر والسَّنة.

أشار جمعٌ كثير جدًا مِن العلماء والمؤرخين وأهل السِّيَر والمغازي إلى الاختلاف في زمن وقوع حادثة “الإسراء والمعراج”.

ودونكم بعضهم مع ذِكر كلامهم ومرجعه:

أولًا ــ قال الحافظ أبو عمر يوسف ابن عبد البَرِّ النَّمري القرطبي المالكي ــ رحمه الله ــ المولود سنة (368هـ) في كتابه “التمهيد” (8/ 48):

واختلفوا في تاريخ الإسراء.اهـ

ثانيًا ــ قال الفقيه أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي القرشي البغدادي الحنبلي ــ رحمه الله ــ المولود سنة (508هـ) في كتابه “الوفا بتعريف فضائل المصطفى” (1/ 161-162):

الباب الثالث والثلاثون في ذِكر مِعراج رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال الواقدي عن رجاله:

(( كان المَسْرَى ليلة السبت لسبع عشرة ليلة خلت مِن رمضان في السَّنة الثانية عشرة مِن المبعث، قبل الهجرة بثمانية عشر شهرًا )).

ورَوى أيضًا عن أشياخ له قالوا:

(( أُسْرِي برسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة سبع عشرة مِن ربيع الأوَّل قبل الهجرة بسَنَة )).

وهذا قول ابن عباس، وعائشة.

وسمعت شيخنا أبا الفضل بن ناصر يقول:

قال قوم: كان الإِسراء قبل الهجرة بسَنة.

وقال آخرون: قبل الهجرة بستة أشهر.

فمَن قال لِسَنة فيكون ذلك في ربيع الأوَّل، ومَن قال لثمانية أشهر فيكون ذلك في رجب، ومَن قال لِستة أشهر فيكون ذلك في رمضان.

قلتُ: وقد كان في ليلة سبع وعشرين مِن رجب.اهـ

ثالثًا ــ قال العلامة مجْد الدين أبو السعادات ابن الأثير الموصلي الشافعي ــ رحمه الله ــ المولود سنة (554هـ) في كتابه “أُسْد الغابة” (1/ 12):

واختلفوا في الوقت الذي أُسْرِي به.

فروى عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه: (( أنه أُسْرِيَ به ليلة سبع مِن ربيع الأوَّل قبل الهجرة بسَنة )).

وقال ابن عباس وأنس: (( أُسْرِي به قبل الهجرة بسَنة )).

وقال السُّدي: قبل الهجرة بستة أشهر.

وقال الواقدي: أُسرِي به لسبع عشرة مِن رمضان قبل الهجرة بثمانية عشر شهرًا.

وقيل: أُسْرِي به في رجب.اهـ

رابعًا ــ قال الفقيه أبو عبد الله الأنصاري الخزرجي القرطبي الأندلسي المالكي ــ رحمه الله ــ المتوفى سَنة (671هـ) في كتابه “الجامع لأحكام القرآن” (10/ 210 أو 10/ 138):

المسألةُ الثانية: في تاريخ الإسراء.

وقد اختلف العلماء في ذلك أيضًا.اهـ

خامسًا ــ قال  العلامة ابن سيِّد الناس اليَعمري الأندلسي الشافعي ــ رحمه الله ــ المولود سنة (671هـ) في كتابه “عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسِّير”(1/ 146-147):

وقد اختلف العلماء في المِعراج والإسراء هل كانا في ليلة واحدة أم لا ؟ وأيُّهما كان قبل الآخَر؟ وهل كان ذلك كله في اليقظة أو في المنام أو بعضه في اليقظة وبعضه في المنام؟ وهل كان المعراج مرَّة أو مرات؟ واختلفوا في تاريخ ذلك.اهـ

سادسًا ــ قال الحافظ ابن حجر العسقلاني الشافعي ــ رحمه الله ــ المولود سنة (773هـ) في كتابه “فتح الباري بشرح صحيح البخاري” (7/ 242-243، عند حديث رقم:3888):

وقد اختُلِف في وقت المِعراج، فقيل: كان قبل المَبعث وهو شاذٌّ، إلا إنْ حُمل على أنَّه وقع حينئذ في المنام كما تقدم، وذهب الأكثر إلى أنَّه كان بعد المبعث.

ثم اختلفوا، فقيل: قبل الهجرة بسَنة، قاله ابن سعد وغيره، وبه جزم النَّووي، وبالغ ابن حزم فنقل الإجماع فيه، وهو مردود، فإنَّ في ذلك اختلافـًا كثيرًا يزيد على عشرة أقوال، مِنها: ما حكاه ابن الجوزي أنَّه كان قبلها بثمانية أشهر.

وقيل: بستة أشهر.

وحكى هذا الثاني أبو الرَّبيع بن سالم، وحكى ابن حزم مُقتضى الذي قبله، لأنَّه قال: كان في رجب سَنة اثنتي عشرة مِن النُّبوة، وقيل: بأحد عشر شهرًا، جزم به إبراهيم الحربي حيث قال: كان في ربيع الآخِر قبل الهجرة بسَنة، ورجَّحه ابن المنير في “شرح السيرة” لابن عبد البَرِّ.

وقيل: قبل الهجرة بسَنة وشهرين، حكاه ابن عبد البَرّ.

وقيل: قبلها بسَنة وثلاثة أشهر، حكاه ابن فارس.

وقيل بسَنة وخمسة أشهر، قاله السُّدي، وأخرجه مِن طريقه الطَّبَري والبيهقي.

فعلى هذا كان في شوال أو في رمضان على إلغاء الكسرين مِنه ومِن ربيع الأوَّل، وبه جزم الواقدي، وعلى ظاهره ينطبق ما ذكره ابن قتيبة وحكاه ابن عبد البَرِّ: أنَّه كان قبلها بثمانية عشر شهرًا، وعند ابن سعد عن ابن أبي سَبْرَة: أنَّه كان في رمضان قبل الهجرة بثمانية عشر شهرًا.

وقيل: كان في رجب، حكاه ابن عبد البَرّ، وجزم به النَّووي في “الروضة”.

وقيل: قبل الهجرة بثلاث سِنين، حكاه ابن الأثير.

وحكى عِياض وتبعه القُرطبي والنَّووي عن الزهري: أنَّه كان قبل الهجرة بخمس سِنين، ورجَّحه عِياض ومَن تبعه.اهـ

سابعًا ــ قال المُحدِّث شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السَّخاوي المصري الشافعي ــ رحمه الله ــ المولود سنة (831هـ) كما في كتاب “الأجوبة المرْضية فيما سُئل السَّخاوي عنه مِن الأحاديث النبوية” (2/ 445 ــ سؤال رقم:112):

قد اختُلِف في ليلة الإسراء، فقيل: لسبع عشرة خلت مِن ربيع الأوَّل قبل الهجرة بسَنة.

وقيل: ليلة سَبع وعشرين مِن ربيع الآخِر.

وقيل: ليلة السبت لسبع عشرة خلت مِن رمضان قبل الهجرة بسَنة ونصف.

وقيل غير ذلك.

والأوَّل هو المشهور؛ فقد رُوي عن عائشة، وأمِّ سلمة، وأمِّ هانئ، وابن عمر، وابن عباس ــ رضي الله عنهم ــ.اهـ

ثامنًا ــ قال المُحدَّث جلال الدين السيوطي الشافعي ــ رحمه الله ــ المولود سنة (849هـ) في كتابه “الآية الكبرى في شرح قصة الإسراء” (ص:63-67):

وأمَّا الشهر الذي كان فيه، فالذي رجَّحه ابن المنير على قوله في السنة: ربيع الآخر.

وجزم به النووي في”شرح مسلم”، وعلى القول الأوَّل في ربيع الأوَّل، وجزم به النَّووي في “فتاويه”.

وقيل: في رجب، وجزم به في “الروضة”.

وقال الواقدي: في رمضان.

والماوردي: في شوال.

لكن المشهور أنَّه في رجب.

وأما تعيين تلك الليلة مِن الشهر فعيَّنها ابن سعد ليلة السبت لسبع عشر مِن رمضان، وقال ابن المنير كالحربي: أنّضها ليلة سبع وعشرين مِن ربيع الآخِر، وبذلك رجَّح القول بأنَّه في ربيع الآخِر قبل الهجرة بأحد عشر شهرًا، لأنَّه أحاط بتفصيل القضية وحرَّرها بخلاف غيره.اهـ

تاسعًا ــ قال المُلا علي قارئ الهروي المكي الحنفي ــ رحمه الله ــ المتوفى سنة (1014هـ) في شرحه على كتاب “الشفا بتعريف حقوق المصطفى” (1/ 420-421):

ثُمَّ اختُلِف في الشهر الذي أُسْرِي به صلى الله عليه وسلم فيه، فقيل: في الربيع الأوَّل، وجزم به النَّووي في “الفتاوى”.

وقيل: في الربيع الآخِر، وبه جزم النَّووي أيضًا في “شرح مسلم” تبعًا للقاضي عِياض المصنِّف.

وقيل: في رجب، وجزم به النَّووي أيضًا في ”الرَّوضة”.

وقال الواقدي: في رمضان.

وقال الماوردي: في شوال.

والله أعلم بالحال.اهـ

عاشرًا ــ قال العلامة الشريف محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني الحسني المولود سنة (1099هـ) ــ رحمه الله ــ في كتابه “التنوير شرح الجامع الصغير” (9/ 303ــ رقم:7710):

هي ليلة مُعيّنة، لم يَرِد بتعيينها سُنـَّة صحيحة، وفيها ثلاثة أقوال، أحدها: وقد شاع أنَّها ليلة سابع وعشرين مِن رجب، ويخصُّونها بأنواع مِن القُرَب، وهي مِن البدع التي شاعت كغيرها.اهـ

حادي عشر ــ قال العلامة الشريف أبو الفضل محمود شُكري الألوسي الحسيني البغدادي ــ رحمه الله ــ المولود سنة (1217هـ) في كتابه “روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني” (8 أو 15/ 8):

وكذا اختُلِف في شهره وليلته، فقال النَّووي في “الفتاوى”: كان في شهر ربيع الأوَّل، وقال في “شرح مسلم” تبعًا للقاضي عياض: إنَّه في شهر ربيع الآخِر، وجزم في “الروضة”: بأنَّه في رجب، وقيل: في شهر رمضان.

وقيل: في شوال.

وكان على ما قيل الليلة السابعة والعشرين مِن الشهر، وكانت ليلة السبت، كما نقله ابن الملقِّن عن رواية الواقدي.

وقيل: كانت ليلة الجمعة لمكان فضلها وفضل الإسراء، ورُدَّ بأنَّ جبرائيل ــ عليه السلام ــ صلَّى بالنبي صلى الله عليه وسلم أوَّل يوم بعد الإسراء الظهر، ولو كان يوم الجمعة لم يكن فرضها الظهر، قاله محمد بن عمر السفيري، … ونَقل الدَّميري عن ابن الأثير أنَّه قال: الصحيح عندي أنَّها كانت ليلة الاثنين، واختاره ابن المنير.

وفي “البحر”: قيل إنَّ الإسراء كان في سبع عشرة مِن شهر ربيع الأوَّل، والرسول ابن إحدى وخمسين سَنة وتسعة أشهر وثمانية وعشرين يومًا.

وحِكِى أنَّها ليلة السابع والعشرين مِن شهر ربيع الآخِر عن الجرمي.اهـ

ثاني عشر ــ قال العلامة الشريف أبو الطِّيب صدِّيق حسن بن علي الحسيني البخاري القِنوجي ــ رحمه الله ــ نزيل الهند المولود سنة (1248هـ) في كتابه “فتح البيان في مقاصد القرآن” (4/ 103):

وقد اختُلِف أيضًا في تاريخ الإسراء.اهـ

ثالث عشر ــ قال المؤرِّخ محمد بن يوسف الصالحي الشامي ــ رحمه الله ــ في كتابه “سبل الهدى والرشاد في سِيرة خير العباد وذِكر فضائله وأعلام نبوته وأفعاله وأحواله في المبدأ والمعاد” (3/ 65):

واختلفوا في أيِّ الشهور كان الإسراء، فجزم ابن الأثير وجمعٌ مِنهم: النَّووي في “فتاويه” كما في النُّسخ المعتمدة بأنَّه كان في ربيع الأوَّل، قال النَّووي: ليلة سبع وعشرين، وجرى عليه جمعٌ، وهكذا عن “الفتاوى”، الأسنوي في “المهمات”، والأَذْرَعي ــ بفتح أوَّله والراء وسكون الذال المعجمة بينهما ــ في “التوسط”، والزركشي في “الخادم”، والدَّميري في “حياة الحيوان” وغيرهم، وكذا رأيته في عدَّة نُسخ مِن “الفتاوى” وفي بعض النُّسخ مِن “شرح مسلم” كذلك، وفي أكثرها ربيع الآخِر كما في نُسخ “الفتاوى”، ونقله ابن دِحية في “الابتهاج”، والحافظ في “الفتح”، وجمعٌ عن الحربي، والذي نقله عنه ابن دِحية في كتابيه “التنوير” و “المعراج الصغير”، وأبو شامة في “الباعث”، والحافظ في “فضائل رجب”: ربيع الأول.

وقيل: كان في رجب، وجزم به النَّووي في”الروضة” تبعًا للرافعي، وقيل: في رمضان، وقيل: في شوال.اهـ

رابع عشر ــ قال العلامة أبو عبد الله محمد بن صالح العثيمين النَّجدي ــ رحمه الله ــ المولود سَنة (1347هـ) كما في كتاب “مجموع فتاويه ورسائله” (22/ 280):

وأهل التاريخ اختلفوا في هذا على نحو عشرة أقوال.اهـ

المبحث الثالث / عن حكم الاحتفال بِذكْرى حادثة “الإسْراء والمِعراج” في شهر رجب أو غيره مِن الشهور.

هذه الحادثة العظيمة، والآية الكبيرة، والمعجزة الظاهرة، والحُجَّة الباهرة، قد جاء إثباتها في القرآن المجيد، وتكاثرت بها نصوص السُّنَّة النَّبوية، واتَّفق العلماء على حصولها.

ومع هذا كله لم يأت في الاحتفال بذكراها خبر ولا أثر، ولا قول ولا فعل، لا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه ــ رضي الله عنهم ــ، ولا عن أحد مِن التابعين، ولا عن أحد مِن أتباع التابعين، ولا عن أحد مِن أئمة المذاهب الأربعة: أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد، ولا عن أحد مِن أئمة أهل السُّنَّة والحديث في زمنهم.

وعليه فَعَمَلٌ تَرْكُه وعَدَم فِعْلِه قد وَسِع النبي صلى الله عليه وسلم، ووَسِع خلفاءه الراشدين المهديين ــ رضي الله عنهم ــ، ووسِع جميع الصحابة، ووسِع التابعين لهم، ووسِع مَن تبعهم، ووسِع أئمة المذاهب الأربعة، ووسِع أئمة أهل السُّنَّة والحديث في زمانهم.

أفلا يسعنا نحن أيضًا ما وَسِعهم، فنتركه كما تركوه، ولا نفعله كما لم يفعلوه.

بلى والله إنَّه ليَسَعنا، وإنَّا لهم لمُحِبُّون، وبِهم إنْ شاء الله مقتدون، وعلى طريقهم سائرون.

وهذا الترك والهجر للاحتفال مِن هؤلاء القوم الأكابر الأجلاء يكفي كل مؤمن بالله، ومُحِبٍّ لرسوله ومُعظِّمٍ ومُوقِّر، في أنْ لا يكون مِن المحتفلين بهذه الذِّكْرَى، ولا مِن الداعين إلي الاحتفال، ولا مِن المبارِكين به، ولا مِن الداعِمين بمال وطعام وشراب لأهله.

ويكفيه أيضًا: في إبطاله والإنكار على أهله، أو على من يسهِّل ويهوِّن مِن شأنه.

إذ لو كان هذا الاحتفال مِن الخير والهُدى، والرُّشد والصلاح، والتُّقى والبِرّ، لَـمَا تركه أشدُّ الناس تعظيمًا وانقيادًا ومحبَّة للنبي صلى الله عليه وسلم، وأرغبَهم في الخير، وأحرَصهم على الإكثار منه، وأسرَعهم إلى فِعل الطاعات، وأقواهم فيها، ألا وهم أهل القرون الثلاثة الأولى المُفضَّلة، وعلى رأسهم الصحابة ــ رضي الله عنهم ــ.

ومَن لم يسعه ما وسع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومَن بعدهم مِن التَّرْك والهجْر فلا يلومنَّ إلا نفسه، فإنَّه لا يسير إلا على طريق هلكة، ولا يمشي إلا في سبيل غواية وابتداع، ولا يَجني إلاّ الإثم والمَذمَّة والخُسران، وقد صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه كان يقول في خُطبه:

(( أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ، وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ )) رواه الإمام مسلم (68).

وصحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:

(( مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ )) رواه الإمام مسلم (1718).

ومعنى هذا الحديث عند أهل العلم:

أنَّ من أحدَث في دين الله تعالى عبادة أو تقرَّب إلى الله بعمل ليس عليه أمْر الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو دينه وشرعه وسُنَّته وهديه، فإنَّ هذا العمل وهذا الإحداث مردود على صاحبه، وباطل غير مُعتدٍّ به، ولا مقبول منه.

ولا ريب أنَّ الاحتفال بهذه الذِّكْرى لم يكن عليه أمْر الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يكن مِن هديه، وإنَّما أُحْدِث بعده بمئات السِّنين، فيكون حكمه بنصِّ الحديث المتقدِّم هو:

الذمُّ والردُّ لا المدح و القبول.

وفي الختام أقول لِمَن يحتفل بهذه الذكرى مِن المسلمين ــ سدَّدهم الله وسلَّمهم ــ:

إنْ كان بكم ــ وفقكم الله إلى كل خير ــ كبير نشاط ورغبة لفعل الطاعات، وعظيم منافسة ومسابقة إلى الحسنات المنجيات، وشديد اجتهاد في العبادات، وحماسة إلى الإكثار والزيادة في القُربات، فاتركوا عنكم هذا الاحتفال لاسيَّما بعد ما قرأتم عنه ما تقدَّم، ولا تخاطروا بأنفسكم، واسألوها وقولوا لها:

يا نَفْسُ كم من العبادات والطاعات التي جاءت في القرآن الكريم، وثبتت في السُّنَّة النَّبوية، وأنت لا تفعلينها، ولا تجتهدين في تحصيلها؟.

يا نَفْسُ هلمِّ إلى فِعلها والإكثار مِنها، والتَّزود قبل الوفاة، وقبل العرض والجزاء.

 يا نَفْسُ إنَّ مِن العيب أنْ تُقصِّري أو يُصيبك الضَّعف أو تتكاسلين في عبادات عديدة قد ثبتت فيها النُّصوص الشرعية وتنوَّعت وتعدَّدت، وتُشمِّري ويزيد نشاطك في ما لم يدعو إليه أو يفعله النبي صلى الله عليه وسلم، ولا دعا إليه أصحابه – رضي الله عنهم – ولا فعلوه.

وكتبه:

عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد.