وقفة مع حملة سامحني وأسامحك قبل ليلة النِّصف من شعبان
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى.
وبعد، أيُّها المسلم المُتَّبِع للسُّنَّة النَّبويَّة ــ سلَّمك الله وسدَّدك ــ:
يُشارك أفرادٌ مِن المسلمين ــ أصلحهم الله وأكرمهم بلزوم طريق سلفِهم الصالح ــ في هذا العصر في حملة رسائل عبْر برامج التواصل كــ”تويتر” و “وتس آب” و “فيس بوك” و “سناب شات”، ومواقع الشبكة العنكبوتية “الإنترنت” المختلفة، وغيرها، وذلك قُبَيل مُنتصف شهر شعبان، شعارها:
« سامحني وأسامحك» أو « سامحتك فسامحني».
ولعل دافعهم في المشاركة مع مَن أطلق هذه الحملة هو حديث: (( إِنَّ اللَّهَ لَيَطَّلِعُ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ )).
وأقول لنفسي ولك ولنفوسهم:
يَكفينا في عدم متابعة أهل هذه الحملة، والمشاركة معهم، والترويج لهم، أمور ثلاثة:
الأوَّل ــ أنَّ هذه الحملة لم يُطلقها أئمة أهل العلم، وفقهاء الأمَّة الأكابِر، الذين شُهِد لهم بالرُّسوخ في العلم، والمعرفة الغزيرة بأحكام القرآن والسُّنَّة، والذين هُم أعلم الناس بدين الله وشرعه، وجعلهم الله مرجعًا للناس في دينهم، يأخذونه عنهم، ويستفتونهم فيه.
وإنَّما أطلقها مَن لم يجعلهم الله مرجعًا للناس في دينه وشرعه، ولا عُرفوا بالعلم والفقه في الدين، والرُّسوخ فيه، ولا شُهِد لهم بذلك.
بل هُم رؤوسٌ جُهَّال!.
فهل يَليق بمسلم حريص على دينه وآخرته أنْ يُتابعهم، ويَسير في ركابهم، ويَعمل بما أرادوا ووجَّهوا؟.
وقد صحَّ عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا )).
الثاني ــ أنَّ حديث: (( إِنَّ اللَّهَ لَيَطَّلِعُ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ )).
ضعيف لا يَصِح عند أكثر العلماء.
وقد نَسَب هذا إليهم الحافظ المُحدِّث ابن رجب البغدادي ــ رحمه الله ــ في كتابه “لطائف المعارف” (ص:136).
الثالث ــ أنَّ هذا الحديث معروف عند أهل العلم مُنذ أكثر مِن ألف سَنة، ولا يُعلَم عن أحد مِن العلماء الأكابِر الأثبات الرَّاسخين مِن سائر البلدان والمذاهب، وفي سائر الأزمان، أنَّه أطلق مثل هذه الحملة أو استنبطها مِن النُّصوص الشَّرعية.
وإنَّما أطلقها أو أشاعها أُنَاسٌ مِن أهل زماننا هذا، هُم أقرب للجهل وأهله مِنهم للعلم وأهله، بل قد لا يُعرَفون ولا يُدرَى ما أسماؤهم، وقد يكونون مدفوعين مِن الشِّيعة الرافضة أو غلاة الصُّوفية.
فهل سَتُتابِع أهل هذه الحملة؟ أم سَتسلُك جادة أهل العلم بدين الله وشرعه التَّاركين لهذه الحملة، والمُحذِّرين منها؟.
وقد صحَّ عن ابن عمر ــ رضي الله عنهما ــ أنَّه قال: (( كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَإِنْ رَآهَا النَّاسُ حَسَنَةً )).
وكتبه أخوك:
عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد.