إغلاق
موقع: "عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد" العلمي > الخطب المكتوبة > خطبة مكتوبة بعنوان: ” الأحكام الفقهية الخاصة بالصوم والصائمين “. ملف [ word – pdf ] مع نسخة الموقع.

خطبة مكتوبة بعنوان: ” الأحكام الفقهية الخاصة بالصوم والصائمين “. ملف [ word – pdf ] مع نسخة الموقع.

  • 18 يونيو 2015
  • 23٬637
  • إدارة الموقع

الأحكام الفقهية الخاصة بالصوم والصائمين

الخطبة الأولى: ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحمدُ للهِ فاطرِ السماوتِ والأرضِ، وأشهدُ أنْ لا إلَه إلا اللهُ وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، اللهمَّ فصَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ عليهِ وعلى آلِهِ وأصحابِه.

أمَّا بعدُ، أيُّها المسلمون:

فإنَّ التَّفقهَ في الدِّينِ، وتعلًّمَ أحكامِهِ، لَمِن أجَلِّ العباداتِ، وأكثرِها أجْرًا، وأعلَى خِصالِ المُتقين، وأكبرِ أسبابِ زيادةِ الإيمانِ وخشيةِ الله، وقد قالَ اللهُ سبحانَه مُرغِّبًا في ذلك: { يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ }، فأقبِلوا على العلم، وتزوَّدوا مِنه، لاسِيَّما ما يتعلَّقُ بصيامِ رمضان عندَ دخولِ وقتِه.

ودونَكُم ــ سدَّدكم اللهُ ــ جُملةً مِن المسائلِ المُتعلِّقةِ بالصومِ والصائمين:

المسألةُ الأولى / عن صومِ الصِّغارِ ذكورًا وإناثًا.

يُستحَبُّ للقائمِ على الصغيرِ أو الصغيرةِ إذا رَأى أنَّهما قد أطاقَا الصومَ قبْل بُلوغِهما أنْ يأمرَهُما بصيامِ رمضانَ أو أكثرِهِ أو بعضِهِ، وقد كانَ تصويمُهم عندَ الإطاقةِ والقُدْرةِ معمولًا بِهِ في زَمَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأصحابِه، فصحَّ أنَّ الرُّبَيِّعَ بنتِ مُعَوِّذٍ ــ رضيَ اللهُ عنها ــ قالت في شأنِ يومِ عاشوراء: (( فَكُنَّا نَصُومُهُ بَعْدُ، وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا، وَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ العِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهُ ذَاكَ حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الإِفْطَارِ )).

المسألةُ الثانيةُ / عن صومِ المُغْمَى عليه.

المُغْمَى عليهِ في رمضانَ لا يَصنعُ أهلُهُ شيئًا حتى يَتَّضِحَ حالُهُ، فإنْ استمرَ إغماؤُهُ حتى ماتَ فلا صيامَ عنه ولا إطعامَ عندَ عامَّةِ الفقهاء، وإنْ مَنَّ اللهُ عليهِ بزوالِ الإغماءِ وجَبَ أنْ يَقضِيَ جميعِ أيَّامِ إغمائِهِ باتفاقِ العلماءِ، ومَن نَوَى الصومَ بالليلِ ثمَّ أُغمِيَ عليهِ قبلَ طلوعِ الفجرِ فلم يُفِقْ مِنه إلا بعدَ الغروبِ فسَدَ صومُ يومِهِ هذا عندَ أكثرِ العلماء، وأمَّا إنْ أفاقَ بالنَّهار ولو قليلًا فلم يَفسُدْ صومُهُ باتفاقِ الأئمةِ الأربعة، وقليلُ الإغماءِ لا يُفسِدُ الصيامَ باتفاقِ المذاهبِ الأربعة، وقد ثبتَ: (( أنَّ ابنَ عُمَرَ ــ رضِيَ اللهُ عنْهُ ــ كَانَ يَصُومُ تَطَوُّعًا فَيُغْشَى عَلَيْهِ فَلَا يُفْطِرُ ))، والغَشْيُ: قليلُ الإغماء.

المسألةُ الثالثةُ / عن صومِ المريض.

يُباحُ للمريضِ أنْ يُفطِرَ في رمضانَ لِقولِ اللهِ سبحانَهُ: { وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ }، والمَرضُ المُبيحُ للفطرِ هوَ: المرضُ الذي يُجهِدُ أو يَضُرُّ بالصائمَ أو يُؤخِّرُ شفاءَهُ أو يزيدُ أمراضًا أُخْرى عنده، وهوَ قولُ الأئمةِ الأربعةِ، وغيرِهِم، وأمَّا الأمراضُ التي يكونُ حالُ الإنسانِ فيها كحالِ الصَّحيح، فيجبُ على صاحِبِها الصومُ، لأنَّهُ مِثلُ الصَّحيح.

وللمريضِ مع صيامِ شهرِ رمضانَ أحوالٌ ثلاثة:

الحالُ الأوَّل: أنْ يكونَ مرضُهُ مُزمِنًا لا يُرجَى شفاؤُه مِنهُ، ويَضُرُّ بِهِ الصومُ، أو يَشُقُ عليهِ ويُجهِدُه، وهذا يُباحُ لهُ الفِطرُ باتفاقِ العلماء، فإنْ أفطرَ أطعمَ عن كلِّ يومٍ مسكينًا عندَ أكثرِ العلماءِ، لِثبوتِ الإطعامِ عن الصحابة، وإنْ تَحامَلَ على نفسِهِ فصَامَ أجزأَهُ باتفاقِ العلماء.

الحالُ الثاني: أنْ يكونَ مرضُهُ يُرجَى شفاؤُه، وهذا يَنتظرُ حتى يُشفَى ثمَّ يَقضِي، لِقولِ اللهِ: { وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ }.

الحالُ الثالث: أنْ يَمرَضَ في رمضان، ويُفطِرَ فيه، ثم يموتُ قبلَ القضاءِ.

وهذا لا يَخلو عن أمرين:

الأمرُ الأوَّل: أنْ يتمكَّنَ مِن القضاءِ بحصُولِ الشِّفاءِ لهُ، ولكنَّهُ يُفرَّطُ ويتكاسلُ حتى يموتَ ولم يَقضِ، وهذا يُطعَمُ عنهُ عن كلِّ يومٍ مسكينًا باتفاقِ العلماء.

الأمرُ الثاني: أنْ يستمِرَ معهُ المرضُ حتى يموتَ ولم يتمكَّنْ مِن القضاء، وهذا لا إطعامَ عنهُ ولا صيامَ، لأنَّه ليسَ بمُفرِّطٍ، وصحَّت الفتوى بذلك عن أنَّ ابنَ عباسٍ ــ رضيَ الله عنه ــ مِن الصحابَة.

المسألةُ الرابعةً / عن العاجزِ عن الصيامِ بسببِ كِبَرِ السِّن.

الرَّجلُّ المُسِنُّ والمرأةُ العجوزُ إذا لم يُطِيقا صيامَ رمضان جازَ أنْ يُفطِرا باتفاقِ العلماء، ويجبُ عليهما عندَ أكثرِ الفقهاءَ أنْ يُطعِما عن كلِّ يومٍ مسكينًا بعددِ أيَّام الشهر، لِثبوتِ الإطعامِ عن أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

وأمَّا إذا وصَلا إلى حَدِّ الخَرَفِ: فإنَّ الصومَ يَسقطُ عنهما لِفقدِ أهليةِ التكليفِ وهيَ: العقل، ولا إطعامَ عنهما، فإنْ كانا يُميِّزانِ أيَّامًا تامَّة، ويَهذِيانِ في أيَّامٍ أُخْرَى، فيجَبُ الإطعامُ عنهما حالَ تَمييزِهما إذا لم يصوما، ولا إطعامَ عنهما حالَ هذيانِهما، وإنْ هذَيا ومَيَّزا في نفسِ نهارِ يومِ الصومِ الواحدِ فلا صيامَ عليهما ولا إطعامَ عنهما، وإنْ كانَ الذي يَحصلُ لهُما مُجرَّدُ نسيانٍ ولو كثُرَ مع بقاءِ تمييزِهِما وإدراكِهِما فصومُهُما صحيحٌ حتى وإنْ أكلا وشَرِبا نسيانًا.

المسألةُ الخامسةُ / عن صومِ المرأةِ الحامِلِ والمُرضِع.

الحامِلُ أو المُرضِعُ إذا كانَ بدَنُها قويًا، وتتغذَّى تغذيةً جيَّدة مُفيدة، وكانَ الصومُ لا يَضُرُّ بِها، ولا بالجَنينِ الذي في بطنِها أو الطفلِ الذي تُرضِع، أو كانت تُرضِعُ ولدَها بغيرِ حلِيبِها، فإنَّها تصومُ ولا تُفطِر، وأمَّا إذا خافتْ على نفسِها أو على ولدِها مِن الصومِ، فإنَّه يُباحُ لَها الفِطرُ باتفاقِ العلماءِ، وثبتَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: (( إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ الصَّوْمَ )).

وللحاملِ والمُرضعِ حالان:

الحالُ الأوَّل: أنْ يُفطِرا بسببِ الخوفِ على نفسيهما مِن المرضِ، فيجبُ عليهما القضاءُ فقط عندَ عامةِ الفقهاءِ.

الحالُ الثاني: أنْ يُفطِرا بسببِ الخوفِ على ولدَيهِما مِن الضَّرر، فيجبُ عليهما القضاءُ باتفاقِ الأئمةِ الأربعة، وإنْ أطعَمتا مع القضاءِ عن كلِّ يومٍ مسكينًا فحسَنٌ، لأنَّ الإفطارَ حصلَ مِنهما لِمصلَحةِ غيرِهِما.

المسألةُ السادسةُ / عن صومِ المرأةِ الحائضِ أو النُّفَسَاء.

الحائضُ والنُّفساءُ يَحرُمُ عليهِما الصومُ، ويَقضِيانِ وجوبًا ما فاتَهُما مِن رمضانَ إذا طَهُرَتا باتفاق العلماءِ، وإنْ طَهُرَتا قبلَ الفجرِ بقليلٍ ثمَّ نَوَتا الصيامَ، صحَّ صومُهما عندَ عامَّةِ الفقهاءِ حتى ولو لم تَغتسلا إلا بعدَ الفجرِ، وإذا طَهُرتْ النُّفَسَاءُ قبْلَ الأربعينِ وجَبَ أنْ تُصلِّي وتصومُ باتفاقِ العلماءِ.

المسألةُ السابعةُ / عن جِماعِ الصائمِ في نهارِ شهرِ رمضان.

الجِماعُ في نهارِ رمضانَ عمدًا مِن كبائرِ الذُّنوب، ومَن وقعَ فيهِ فعليهِ كفارةٌ مُغلَّظةٌ، بنصِّ السُّنةِ النَّبويةِ الصَّحيحةِ، واتفاقِ العلماءِ، والكفارةُ هي: عِتقُ رَقبة، فمَن لم يَجدْ فصيامُ شهرينِ مُتتابِعينِ، فمَن لم يَستطعْ فإطعامُ سَتِّينَ مسكينًا، ومَن وقعَ مِنهُ جماعٌ في أيِّامٍ عِدَّةٍ ومُختلِفةٍ مِن رمضان، فعليهِ عن كلِّ يومٍ جامَعَ فيهِ كفارةٌ مُستقِلَّة، ويجبُ أنْ يَقضِي اليومَ الذي أفسَدهُ بالجماعِ عندَ عامَّةِ الفقهاء، وإنْ كانتِ الزَّوجةُ مطاوعةً لِلزوجِ في الجِماع فعليها كفارةٌ مُستقِلَّةٌ مع القضاءِ، لأنَّها كالزَّوجِ مُكلَّفةٌ بالصومِ، وحصلَ مِنها مِثلُ ما حصلَ مِنه مِن هَتكِ حُرْمَةِ صومِ رمضان بالجماع، وبهذا قالَ أكثرُ العلماء.

اللهمَّ: زِدنَا فقهًا بدِينِكَ وشرعِك، وتمسُّكًا وعملًا ودعوةً، إنَّكَ سميعُ الدعاء.

الخطبة الثانية: ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحمدُ للهِ على كلِّ حال، والصلاةُ والسلامُ على النَّبيِّ محمدٍ طيِّبِ الخِصال.

أمَّا بعدُ، أيُّها المسلمون:

فلا يزَالُ الكلامُ معكُم مُتَّصِلًا عن أحكامِ الصومِ، فأقولُ مستعينًا باللهِ:

المسألةُ الثامنةُ / عن أحكامِ قضاءِ الأيَّامِ التي تُرِكَ صيامُها مِن رمضان.

مَن ترَكَ مِن المسلمينَ صيامَ رمضانَ كلَّهُ أو بعضَهُ لا يَخلو عن أمرين:

الأمرُ الأوَّل: أنْ يَترُك الصومَ لِعُذرٍ كمرضٍ أو سَفرٍ أو حيضٍ، وهذا لا حرَجَ عليهِ، ويجبُ عليه قضاءُ ما ترَكَ باتفاقِ العلماء.

الأمرُ الثاني: أنْ يَترُكَ الصومَ لِغيرِ عُذرٍ، وهذا مُرتكِبٌ لِكبيرةِ، ويجبُ أنْ يَقضِيَ جميعِ ما ترَكَ صيامَهُ مِن أيَّامٍ عند الأئمةُ الأربعةُ، وغيرُهم.

ومَن قَضَى ما أفطرَهُ مِن أيَّامِ رمضانَ قبْلَ دخولِ رمضانَ الجديدَ، فلا كفارةَ عليهِ باتفاقِ العلماء، ومَن أخَّرَ قضاءَ ما فاتَهُ مِن رمضانَ القديمِ حتى دخلَ عليهِ رمضانُ آخَرُ أو عِدَّةُ رمضاناتٍ، فلَهُ حالان:

الحالُ الأوَّل: أنْ يُؤخِّرَ القضاءَ لِعُذرٍ كمرضٍ يَمتدُّ بِه مِن رمضانَ إلى رمضانَ آخَرَ أو أكثر، وهذا ليسَ عليه إذا شُفِيَ إلا القضاءُ فقط عند الأئمةِ الأربعةِ وغيرِهِم، ومِثلهُ: المرأةُ يتتابعُ عليها الحملُ والرَّضاع.

الحالُ الثاني: أنْ يُؤخِّرَهُ مع تمكُّنِهِ مِن القضاءِ حتى يدخلَ عليه رمضانُ آخَر، وهذا عليهِ القضاءُ، وعليهِ الكفارةُ بإطعامِ مسكينٍ عن كلِّ يومٍ أخَّرَهُ، ونُقِلَ إجماعُ الصحابةِ على وجوبِ الإطعام.

المسألةُ التاسعةُ / عن كيفيةِ إطعامِ المساكينِ.

يجوز في إطعامِ المساكينِ هذهِ الثلاثةُ: إعطاءُ المِساكينِ مِن القُوتِ الذي يُكالُ بالصَّاعِ كالشَّعيرِ والبُرِّ والذُّرةِ والعدَسِ والأُرْزِ والدُّخْنِ وأشباهِها، أو إعطاءُهُم مِن الطعامِ المطبوخِ ما يُشبِعُهم، أو إعطاءُهُم طعامًا لِيطبَخوهُ هُم في بيوتِهم، وثبت جميعها عن أصحابِ النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يجوزُ: تبديلُ الإطعامِ بالنُّقود، لأنَّ الطعامَ هوَ المنصوصُ عليهِ في القرآنِ والسُّنةِ النَّبويةِ وفتاوى الصحابة، ومَن أخرج طعامًا برِأتْ ذِمَّتُهُ باتفاقِ العلماءِ، ومَن أخرجَ نُقودًا لم تُجزئ ولم تَبرأَ ذِمَّتُهُ عندَ أكثرِ العلماء، ولا يَصلحُ: أنْ تُبذَلَ الكفارةُ في تفطيرِ الصائمينِ إلا إذا كان جميعهم مِن الفقراء.

هذا، وأسألُ اللهَ: أنْ يُباركَ لنَا في أموالِنا وأوقاتِنا وأهلينَا، اللهمَّ لا تجعل الدُّنيا أكبرَ همِّنا، ووفِّقنا لِما يَنفعُنا في معادِنا، ووفِّق للخيرِ ولاتَنا، اللهمَّ تقبَّل صيامَنا وقيامَنا، واجعلنا مِمَّن صامَ وقامَ رمضانَ إيمانًا واحتسابًا فغَفَرْتَ له ما تقدَّم مِن ذنبِه، إنَّكَ سميعُ الدعاء، وأقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ لِي ولكُم.