تَفْقِيه الإمام الرَّشِيد بِحُكم الجمع بين الظهر والعصر بالنَّاس في اليوم المَطِير
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى.
وبعد:
فقد اختلف الفقهاء ــ رحمهم الله تعالى ــ في حكم جمع الإمام بالنَّاس بين صلاتَيِّ الظهر والعصر في وقت نُزول المطر على قولين:
القول الأوَّل: أنَّه لا يجوز.
وذلك لعدم وُرُود هذا الجمع عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه ــ رضي الله عنهم ــ، ولا عن التابعين، مع حصول الأمطار التي يتأذَّون مِنها في ثيابهم وأبدانهم وأموالهم في زمَنِهم، وتكرُّرها في وقت هاتين الصلاتين، وتكرُّر الصلاتين يوميًّا.
ومِن المعلوم أنَّ مثل هذا ممَّا تتوفَّر الهِمم والدَّواعي على نقله، بل على نَقل ما هو دُونه.
وقد قال الحافظ الأثرم ــ رحمه الله ــ:
قيل لأبي عبد الله ــ ويعني به: الإمام أحمد بن حنبل ــ:
« الجمع بين الظهر والعصر في المطر؟ قال: لا، ما سمعتُ شيئًا ».اهـ
يعني: أنَّه ــ رحمه الله ــ ما سَمِع بحديث ولا أثر في الجمع بين الظهر والعصر بسبب المطر.
وهذا قاله ــ رحمه الله ــ حين سُئل عن حكم الجمع بين الظهر والعصر في وقت نزول المطر، وأفتى بعدم فِعله، لأنَّه لم يَسمع فيه بحديث ولا أثر.
والمنقول المشهور مِن الآثار عن الصحابة والتابعين في الجمع في المطر إنَّما هو بين المغرب والعشاء.
وقد قال الإمام موفق الدين ابن قدامة المقدسي الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “المغني” (2/ 217):
وقول أحمد: “ما سمعت”، يدُل على أنَّه ليس بشيء.اهـ
وإلى عدم الجواز ذهب أكثر أهل العلم.
منهم:
الحنفية، والمالكية، والحنابلة في المشهور عنهم، وطائفة مِن الشافعية.
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي البغدادي ــ رحمه الله ــ في كتابه “فتح الباري” (3/ 91):
وأمَّا الجمع بين الظهر والعصر في المطر، فالأكثرون علىأنَّهغير جائز، وقال أحمد: ما سمعت فيه شيئًا.اهـ
واختاره:
أئمة الدعوة النَّجدية، والشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ــ رحمهم الله ــ.
القول الثاني: أنَّه يجواز.
وبه قال الشافعي، وأبو ثور، وأحمد في رواية.
واختاره:
ابن باز، وابن عثيمين، وهو ظاهر كلام الإمام ابن تيمية ــ رحم الله تعالى الجميع ــ.
وذلك قياسًا على الجمع بين المغرب والعشاء.
إذ ثبت الجمع بينهما في عهد الصحابة ــ رضي الله عنهم ــ بسبب التأذِّي بالمطر.
حيث أخرج الإمام مالك ــ رحمه الله ــ في “الموطأ” (481 أو 369) عن نافع ــ رحمه الله ــ:
(( أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا جَمَعَ الْأُمَرَاءُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي الْمَطَرِ جَمَّعَ مَعَهُمْ )).
وإسناده صحيح.
وأجيب عن استدلال هذا القول مِن جهتين:
الأولى: أنَّه لا يوجد نَقل عن الصحابة والتابعين في تطبيق هذا الجمع بين الظهر والعصر مع وجود علَّة التأذِّي بالمطر في زمَنِهم، وتَكرُّر صلاة الظهر والعصر يوميًّا، وأنَّ الجمع مِن الأمور التي تتوفَّر الهِمم على نَقله، فلمَّا لم يُنقل عُلم انتفاؤه.
الثانية: أنَّ مشقَّة النهار بالمطر تختلف عن مشقَّة الليل، فلا يَصلح القياس.
وقد قال الإمام موفق الدين ابن قدامة المقدسي الحنبلي ــ رحمه الله ــ في كتابه “الكافي” (1/ 313):
وذَكر بعض أصحابنا وجهًا في جوازه، قياسًا على الليل، ولا يصح لأنَّ المشقَّة في المطر إنَّما تعظُم في الليل لظلمته، فلا يُقاس عليه غيره.اهـ
وقال في كتابه “المغني” (2/217):
ولا يَصح القياس على المغرب والعشاء لِمّا فيهما مِن المشقَّة لأجل الظُّلمة والمَضَرَّة، ولا القياس على السفر، لأنَّ مشقته لأجل السَّير، وفوات الرِّفقة، وهو غير موجود ها هنا.اهـ
كتبه:
عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد.
وقد استللت هذا الجزء مِن محاضرة لي نُسخت مِن الشريط الصوتي، وعنوانها:
« الأحكام الشَّرعية التي يُحتاج إليها أوقات نزول الأمطار ».