تبصير الحائض بحكم قراءة القرآن عن ظهر قلب أو نظر في مصحف وغيره
الحمد لله العلي العظيم، الغفور الرحيم، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد بن عبد الله الموقر الكريم، وعلى آله وأصحابه وأتباعه ما تعاقبت أنفاس وأيام.
وبعد يا محب العلم – زادك الله فقهاً في الدين -:
فهذا بحث فقهي صغير استللته من شرح لي على كتاب “عمدة الفقه”، بعد كتابته من التسجيل من قبل إحدى النساء المستمعات للدرس – سددها الله وشكر -، ومراجعتي له، والزيادة عليه، وذكر أرقام أجزاء وصفحات مصادره.
والله المسئول أن يجعله لوجهه خالصاً، وينفع به كاتبه والناظر فيه في الدنيا والآخرة، إنه سميع الدعاء، وأهل الرجاء، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وسوف يكون عرض موضوعه وما يتصل به في أربع وقفات:
الوقفة الأولى / عن حكم قراءة الحائض للقرآن.
اختلف العلماء – رحمهم الله تعالى – في حكم قراءة المرأة الحائض للقرآن غيباً عن ظهر قلب أو بنظر في مصحف أو لوح أو كتاب وما أشبه ذلك على قولين:
القول الأول: أنه لا يجوز.
وهو قول أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين فمن بعدهم.
وقد نسبه إليهم الترمذي في “سننه”(131)، والبغوي في “شرح السنة”(2/ 43)، والنووي في “المجموع شرح المهذب”(2/ 388)، وفي “المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج”(4/ 68)، وابن رجب الحنبلي في “فتح الباري شرح صحيح البخاري”(1/ 428)، وابن العطار في “العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام”(1/ 273).
وقال الإمام أبو عيسى الترمذي – رحمه الله – في “سننه”(131):
وهو قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، والتابعين، ومن بعدهم: مثل سفيان الثوري، وابن المبارك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، قالوا: لا تقرأ الحائض ولا الجنب من القرآن شيئاً، إلا طرف الآية والحرف ونحو ذلك، ورخصوا للجنب والحائض في التسبيح والتهليل.اهـ
ومما يعضد هذا القول ويقويه:
أولاً: ما أخرجه البخاري (297) ومسلم (301) عن عائشة – رضي الله عنها – أنها قالت:
(( كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَّكِئُ فِي حِجْرِي وَأَنَا حَائِضٌ فَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ )).
وقال تقي الدين ابن دقيق العيد الشافعي – رحمه الله – في كتابه “إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام”(1/ 160 – رقم:42) عقب هذا الحديث:
وفيه إشارة إلى أن الحائض لا تقرأ القرآن، لأن قولها: (( فيقرأ القرآن )) إنما يَحْسُن التنصيص عليه إذا كان ثمة ما يوهم منعه، ولو كانت قراءة القرآن للحائض جائزة لكان هذا الوهم منتفياً، أعني توهم امتناع قراءة القرآن في حجر الحائض.اهـ
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي البغدادي – رحمه الله – في كتابه “فتح الباري شرح صحيح البخاري”(1/ 430):
والاعتماد في المنع على ما روي عن الصحابة، ويعضده:
قول عائشة وميمونة في قراءة النبي صلى الله عليه وسلم القرآن في حجرهما حال الحيض، فإنه يدل على أن للحيض تأثيراً في منع القراءة.اهـ
وقال سراج الدين ابن الملقن الشافعي – رحمه الله – في كتابه “التوضيح لشرح الجامع الصحيح”(5/ 25):
قولها: (( فيقرأ القرآن )) قد يقال: فيه إشارة إلى المنع، لأنه إنما يحسن التنصيص عليه إذا كان ثم ما يوهم منعه، ولو كانت جائزة لكان هذا الوهم منطقياً.اهـ
وقال العلامة أحمد بن يحيى النجمي – رحمه الله – في كتابه “تأسيس الأحكام (1/ 65):
ولا تكون لهذا الخبر فائدة إلا إذا كان معلوماً عند السامع تحريم قراءة القرآن على الحائض، إذ لو حلَّت لها القراءة لكان من باب أولى أن تحل لمن في حجرها.اهـ
ثانياً: مجيء المنع عن صحابة – رضي الله عنهم –.
وقد تقدم قول الحافظ ابن رجب الحنبلي البغدادي – رحمه الله – في كتابه “فتح الباري”(1/ 430):
والاعتماد في المنع على ما روي عن الصحابة.اهـ
حيث قال الحافظ ابن المنذر النيسابوري – رحمه الله – في كتابه “الأوسط من السنن والإجماع والاختلاف”(2/ 97- رقم:621 أو 2/ 219- رقم:618):
أخبرنا ابن عبد الحكم، أنا ابن وهب، أخبرني ابن لهيعة، عن أبي الزبير:
(( أنه سأل جابراً عن المرأة الحائض والنفساء هل تقرأ شيئاً من القرآن؟ فقال جابر: لا )).
وفي إسناده عبد الله بن لهيعة، لكنه هنا من رواية أحد العبادلة عنه، وهو عبد الله بن وهب، وقد صحح رواية ابن لهيعة عن العبادلة جمع من أهل العلم بالحديث، لأنها كانت قبل احتراق كتبه واختلاطه.
وقال العلائي الشافعي – رحمه الله – في كتابه “المختلطين”(ص:66-67):
وقال الفضل بن زياد: سمعت أحمد بن حنبل وسئل عن ابن لهيعة؟ فقال: من كتب عنه قديماً فسماعه صحيح.
وقال الدارقطني: يُعتبر بما روى عنه العبادلة: ابن المبارك، والمقرئ، وابن وهب، والقعنبي.
وقال خالد بن خداش: رآني ابن وهب أكتب حديث ابن لهيعة فقال: إني لست كغيري في ابن لهيعة فاكتبها.اهـ
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي – رحمه الله – في كتابه ” شرح علل الترمذي”(1 / 420):
وروي عن أحمد أنه قال: سماع العبادلة من ابن لهيعة عندي صالح: عبد الله بن وهب، وعبد الله بن يزيد المقرئ، وعبد الله بن المبارك.اهـ
وقال الحافظ أبو الحجاج المزي الشافعي – رحمه الله – في كتابه “تهذيب الكمال في أسماء الرجال”(15 / 494):
قال: وسمعت أبا داود يقول: سمعت قتيبة يقول: كنا لا نكتب حديث ابن لهيعة إلا من كتب ابن أخيه، أَو كتب ابن وهب، إلا ما كان من حديث الأعرج.
وقال جعفر بن محمد الفريابي: سمعت بعض أصحابنا يذكر إنه سمع قتيبة يقول: قال لي أَحمد بن حنبل: أحاديثك عن ابن لهيعة صحاح.
قال: قلت: لأنا كنا نكتب من كتاب عبد الله بن وهب ثم نسمعه من ابن لهيعة.اهـ
وقال الحافظ ابن حبان البُستي – رحمه الله – في كتابه “المجروحين”(538):
وكان أصحابنا يقولون: سماع من سمع منه قبل احتراق كتبه مثل العبادلة: عبد الله بن وهب، وابن المبارك، وعبد الله بن يزيد المقرئ، وعبد الله بن مسلمة القعنبي، فسماعهم صحيح.اهـ
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني الشافعي – رحمه الله – في كتابه “تهذيب التهذيب”(5 / 377):
وقال عبد الغني بن سعيد الأزدي: إذا روى العبادلة عن ابن لهيعة فهو صحيح: ابن المبارك، وابن وهب، والمقرئ، وذكر الساجي وغيره مثله.اهـ
وقال الإمام ابن قيم الجوزية – رحمه الله – في كتابه “إعلام الموقعين عن رب العالمين”(2/ 293-294):
وحديث ابن لهيعة يُحتج منه: بما رواه عنه العبادلة، كعبد الله بن وهب، وعبد الله بن المبارك، وعبد الله بن يزيد المقرئ.
قال أبو زرعة: ابن لهيعة كان ابن المبارك وابن وهب يتبعان أصوله.اهـ
وقال ابن الكيال – رحمه الله – في كتابه ” الكواكب النيرات”(ص: 482):
وقال الفلاس: من كتب عنه قبل احتراق كتبه مثل: ابن المبارك والمقرئ، فسماعه صحيح.اهـ
وممن نص على ثبوت حديث العبادلة عنه من المعاصرين:
الألباني، وأحمد شاكر، وعبد المحسن العباد، ومحمد علي آدم الإثيوبي.
ثالثاً: القياس على الجنب.
حيث ثبتت الفتوى بمنع الجنب من قراءة القرآن عن خليفتين راشدين مهديين هما:
عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب – رضي الله عنهما -.
وقالوا:
حصول حدث الجنابة منع صاحبه من قراءة القرآن، وحدث الحيض أغلظ منه، لأنه يمنع مما يمنع عنه حدث الجنابة وزيادة، فكان بالمنع أولى.
وقال الإمام موفق الدين ابن قدامة المقدسي – رحمه الله – في كتابه “المغني”(1/ 106):
وإذا ثبت هذا في الجنب، ففي الحائض أولى، لأن حدثها آكد، ولذلك حَرَّم الوطء، ومَنع الصيام، وأَسقَط الصلاة، وساواها في سائر أحكامها.اهـ
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي البغدادي – رحمه الله – في كتابه “فتح الباري شرح صحيح البخاري”(1/ 429):
ووجه هذا:
أن حدث الحيض أشد من حدث الجنابة، فإنه يمنع ما يمنع منه حدث الجنابة وزيادة، وهي الوطء والصوم، وما قيل من خشية النسيان فإنه يندفع بتذكر القرآن بالقلب، وهو غير ممنوع به.اهـ
رابعاً: أن هذا القول هو المشهور في زمن التابعين – رحمهم الله -، وهم تلامذة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن نظر في كتب أكثر المعتنين بنقل الاختلاف من أهل الفقه الذين شرحوا مختصراته، أو أهل الحديث الذين شرحوا متونه، أو الكتب المعتنية بنقل الآثار عن فقهاء الأمصار من السلف الصالح لم يجد فيها عن التابعين – رحمهم الله – إلا القول بالمنع.
وممن ثبت عنه المنع من التابعين:
1- عطاء بن أبي رباح – رحمه الله – عند عبد الرزاق في “مصنفه”(1303)، والدارمي في “سننه”(1039 و 1014).
إذ قال عبد الرزاق – رحمه الله -:
أخبرنا ابن جريج قال: (( قُلْتُ لِعَطَاءٍ: مَا تَقْرَأُ الْحَائِضُ وَالْجُنُبُ مِنَ الْقُرْآنِ فَقَالَ: «أَمَّا الْحَائِضُ فَلَا تَقْرَأُ شَيْئًا، وَأَمَّا الْجُنُبُ فَالْآيَةُ تبفدها»)).
وإسناده صحيح.
وقال الدارمي – رحمه الله -:
حدثنا يعلى، حدثنا عبد الملك، عن عطاء: (( فِي الْمَرْأَةِ الْحَائِضِ: أَتَقْرَأُ؟ قَالَ: «لَا، إِلَّا طَرَفَ الْآيَةِ» )).
وإسناده صحيح.
2- محمد بن مسلم بن شهاب الزهري – رحمه الله – عند عبد الرزاق في “مصنفه”(1302).
إذ قال – رحمه الله -:
عن مَعْمَر قال: (( سَأَلْتُ الزُّهْرِيَّ، عَنِ الْحَائِضِ وَالْجُنُبِ أَيَذْكُرَانِ اللَّهَ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قُلْتُ: أَفَيَقْرَآنِ الْقُرْآنَ؟ قَالَ: «لَا»)).
قال معمر: (( وَكَانَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ، يَقُولَانِ: «لَا يَقْرَآنِ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ»)).
وإسناده صحيح.
3- رفيع بن مهران أبو العالية الرياحي – رحمه الله – عند ابن أبي شيبة في “مصنفه”(1095-14365)، والدارمي في “سننه”(1035).
إذ قال ابن أبي شيبة – رحمه الله -:
حدثنا حفص، عن عاصم، عن أبي العالية قال: (( الْحَائِضُ لَا تَقْرَأُ الْقُرْآنَ )).
وإسناده حسن.
وقال أيضاً (14365):
حدثنا ابن فضيل، عن عاصم قال: (( قُلْتُ: لِأَبِي الْعَالِيَةِ: تَقْرَأُ الْحَائِضُ الْقُرْآنَ؟ قَالَ: «لَا تَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَلَا تُقَبِّلُ، وَلَا تَطُوفُ بِالْبَيْتِ، وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ» وَقَالَ: «الطَّوَافُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ عَدْلُ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ» )).
وإسناده حسن.
وقال الدارمي – رحمه الله -:
أخبرنا حجاج، عن حماد بن سلمة، عن عاصم الأحول عن أبي العالية في الحائض قال: (( لَا تَقْرَأُ الْقُرْآنَ )).
وإسناده حسن.
4- عامر الشعبي – رحمه الله – عند ابن أبي شيبة في “مصنفه”(1099-1084)، والدارمي في “سننه”(1031).
فقال ابن أبي شيبة – رحمه الله -:
حدثنا شَريك، عن فِراس، عن عامر: (( الْجُنُبُ وَالْحَائِضُ لَا يَقْرَآنِ الْقُرْآنَ )).
وإسناده حسن.
وقال الدارمي – رحمه الله -:
أخبرنا محمد بن يزيد البزَّاز، حدثنا شَريك، عن فِراس، عن عامر، بمثله.
وإسناده حسن.
5- الحسن البصري – رحمه الله – عند عبد الرزاق في “مصنفه”(1302).
6- قتادة بن دعامة – رحمه الله – عند عبد الرزاق في “مصنفه”(1302).
7- إبراهيم بن يزيد النخعي – رحمه الله – عند ابن أبي شيبة في “مصنفه”(1223 و 1097)، والدارمي في “سننه”(1033).
إذ قال ابن أبي شيبة – رحمه الله -:
حدثنا وكيع، عن سفيان، عن مغيرة، عن إبراهيم قال: (( تَقْرَأُ مِمَّا دُونَ الْآيَةِ، وَلَا تَقْرَأُ آيَةً تَامَّةً )).
وإسناده صحيح.
وقال الدارمي – رحمه الله -:
أخبرنا يزيد بن هارون، عن هشام الدستوائي، عن حماد، عن إبراهيم قال: (( أَرْبَعَةٌ لَا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ: عِنْدَ الْخَلَاءِ، وَفِي الْحَمَّامِ، وَالْجُنُبُ، وَالْحَائِضُ، إِلَّا الْآيَةَ وَنَحْوَهَا لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ )).
وإسناده صحيح.
ومن باب الزيادة:
قال ابن أبي شيبة في “مصنفه”(1096):
حدثنا حفص، عن أشعث، عن محمد، قال: (( الْحَائِضُ لَا تَقْرَأُ الْقُرْآنَ )).
وأشعث هنا غير منسوب.
وحفص هو ابن غياث، وقد روى عن: أشعث بن سوار، وأشعث بن عبدالله الحداني، وأشعث بن عبد الملك الحمراني، وقد رووا جميعاً عن محمد بن سيرين، ولهذا لم أهتد إلى أيهم روى عنه هذا الأثر.
تنبيه:
ورد في منع الحائض من قراءة القرآن حديثان مرفوعان لا يصحان:
الأول: حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( لَا تَقْرَأِ الحَائِضُ وَلَا الجُنُبُ شَيْئاً مِنَ القُرْآنِ )) أخرجه الترمذي (131) وابن ماجه (595 -596) وغيرهما.
وهو حديث ضعيف.
وقد ضعفه:
أحمد بن حنبل، والبخاري، والترمذي، والبيهقي، وعبد الحق الأشبيلي، وابن الجوزي، وأبو العباس القرطبي، والنووي، وابن تيمية، وابن قيم الجوزية، وابن رجب، والذهبي، وابن حجر العسقلاني، وابن الملقن، والشوكاني، والصنعاني، والألباني، وابن باز، وغيرهم.
بل قال الإمام ابن تيمية الحراني الدمشقي – رحمه الله – كما في “مجموع الفتاوى”(21/ 460 و 26/ 191):
وهو حديث ضعيف باتفاق أهل المعرفة بالحديث.اهـ
وقال الإمام ابن قيم الجوزية – رحمه الله – في كتابه “إعلام الموقعين عن رب العالمين”(3/ 25):
لم يصح، فإنه حديث معلول باتفاق أهل العلم بالحديث.اهـ
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني الشافعي – رحمه الله – في كتابه “فتح الباري شرح صحيح البخاري”(1/ 409):
وأما حديث ابن عمر: (( لا تقرأ ..)) فضعيف من جميع طرقه.اهـ
والثاني: حديث جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما – عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( لا تَقْرَأُ الْحَائِضُ وَلا النُّفَسَاءُ مِنْ الْقُرْآنِ شَيْئًا )) رواه الدارقطني (1879)، وأبو نعيم في “الحلية”(4/ 22)، وابن عدي في “الكامل”(6/ 163).
وسنده ضعيف جداً.
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني – رحمه الله – في كتابه “تلخيص الحبير”(1/ 138):
وفيه محمد بن الفضل، وهو متروك.اهـ
وقال الحسن الرباعي الصنعاني – رحمه الله – في كتابه “فتح الغفار الجامع لأحكام سنة نبينا المختار”(1/ 144 – رقم:340)
رواه الدارقطني بإسناد ضعيف جداً.اهـ
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي البغدادي في كتابه “فتح الباري شرح صحيح البخاري”(1/ 429):
وفي نهي الحائض والجنب عن القراءة أحاديث مرفوعة، إلا أن أسانيدها غير قوية، كذا قال الإمام أحمد في قراءة الحائض، وكأنه يشير إلى أن الرواية في الجنب أقوى، وهو كذلك.اهـ
القول الثاني: أنه يجوز.
قال الإمام ابن تيمية الحراني الدمشقي – رحمه الله – كما في “الاختيارات الفقهية”(ص:27) للبعلي:
يجوز للحائض قراءة القرآن بخلاف الجنب، وهو مذهب مالك، ورواية عن أحمد، وإن خشيت نسيانه وجب.اهـ
وقال الإمام ابن قيم الجوزية – رحمه الله – في كتابه “إعلام الموقعين عن رب العالمين”(3/ 25-26):
ومن هذا جواز قراءة القرآن لها وهي حائض، إذ لا يمكنها التعوض عنها زمن الطهر، لأن الحيض قد يمتد بها غالبه أو أكثره، فلو مُنعت من القراءة لفاتت عليها مصلحتها، وربما نسيت ما حفظته زمن طهرها، وهذا مذهب مالك، وإحدى الروايتين عن أحمد، وأحد قولي الشافعي، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يمنع الحائض من قراءة القرآن، وحديث: (( لا تقرأ الحائض والجنب شيئاً من القرآن )) لم يصح، فإنه حديث معلول باتفاق أهل العلم بالحديث.اهـ
وقال الإمام ابن تيمية الحراني الدمشقي – رحمه الله – كما في “مجموع الفتاوى”(26/ 191):
وليس في منعها من القرآن سنة أصلاً، فإن قوله: (( لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن )) حديث ضعيف باتفاق أهل المعرفة بالحديث…، وقد كان النساء يحضن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلو كانت القراءة محرمة عليهن كالصلاة لكان هذا مما بينه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته، وتعلمه أمهات المؤمنين، وكان ذلك مما ينقلونه إلى الناس، فلما لم ينقل أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك نهياً، لم يجز أن تجعل حراماً، مع العلم أنه لم ينه عن ذلك، وإذا لم ينه عنه مع كثرة الحيض في زمنه علم أنه ليس بمحرم.اهـ
وقال أبو الحسن اللخمي المالكي – رحمه الله – في كتابه “التبصرة”(1/ 217):
واختلف قول مالك في قراءة القرآن للحائض، فمنع ذلك مرة، وأجازه مرة خوف النسيان، لأن الحيض يتكرر.
وأجازه محمد بن مسلمة نظراً إذا كان من يُقلب لها الورق.اهـ
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي البغدادي – رحمه الله – في كتابه “فتح الباري شرح صحيح البخاري”(1/ 429):
وعن مالك في الحائض روايتان:
إحداهما: هي كالجنب.
والثانية: أنها تقرأ.
وهو قول محمد بن مسلمة، لأن مدة الحيض تطول، فيخشى عليها النسيان، وهي غير قادرة على الغسل، بخلاف الجنب.
وحكى أبو ثور ذلك عن الشافعي، وأنكره أصحاب الشافعي عنه.اهـ
وهو قول ابن حزم.
وقال أبو الحسن ابن بطال المالكي – رحمه الله – في “شرح صحيح البخاري”(1/ 421-422):
هذا الباب كله مبني على مذهب من أجاز للحائض والجنب تلاوة القرآن، وهو قول حماد بن أبى سفيان، والحكم بن عتيبة، وأهل الظاهر.اهـ
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي البغدادي – رحمه الله – في كتابه “فتح الباري شرح صحيح البخاري”(1/ 427):
وحُكي جواز القراءة للجنب والحائض عن طائفة من أهل الحديث، منهم: ابن المنذر، والطحاوي.اهـ
وقال أيضاً (1/ 426):
فلم يبق مما ذكره البخاري في هذا الباب سوى قراءة القرآن، وظاهر كلامه أن الحائض لا تمنع من القراءة.اهـ
وقال بدر الدين العيني الحنفي – رحمه الله – في كتابه “عمدة القاري شرح صحيح البخاري”(3/ 274):
وبه قال الطبري، وابن المنذر، وداود.اهـ
وقد ضُعِّف هذا القول أو أجيب عنه بعدة أمور:
الأول: أن المنع قد ثبت عن صحابي وهو جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما -، ونُسب أيضاً إلى صحابة آخرين، بخلاف الإباحة، فأكثر نقلة الآثار واختلاف العلماء من الفقهاء والمحدثين لم ينقلوه عن صحابي.
وقد قال الحافظ ابن رجب الحنبلي البغدادي – رحمه الله – في كتابه “فتح الباري شرح صحيح البخاري”(1/ 430):
والاعتماد في المنع على ما روي عن الصحابة، ويعضده:
قول عائشة وميمونة في قراءة النبي صلى الله عليه وسلم القرآن في حجرهما حال الحيض، فإنه يدل على أن للحيض تأثيراً في منع القراءة.اهـ
الثاني: أن المنع هو المشهور بين التابعين – رحمهم الله -، وثابت عن جماعة منهم، بخلاف الإباحة، فأكثر المهتمين بنقل الآثار واختلاف العلماء لم ينقلوه عن تابعي.
الثالث: أن أمر الحيض مشهور في زمن الصحابة والتابعين فمن بعدهم، ومع ذلك فالمشهور عنهم والمنقول هو المنع، ولو كانت الإباحة هي الصواب لنقلت بمثله أو أكثر واشتهرت.
الرابع: أن القياس على منع الجنب يقوي منع الحائض، لأن حدث الحيض أشد، ويجتمعان في المنع من أمور عدة، بدلالة النصوص المتعددة والإجماع.
الخامس: أن خوف النسيان من الحريصة على القرآن يندفع بإمرار القرآن على القلب، وأيام الطهر تعوض أيام الحيض، لأنها أكثر.
وقد قال فقيه الشافعية أبو زكريا النووي – رحمه الله – في كتابه “المجموع شرح المهذب”(2/ 388):
وأما خوف النسيان فنادر، فإن مدة الحيض غالباً ستة أيام أو سبعة، ولا يُنسى غالباً في هذا القدر، ولأن خوف النسيان ينتفي بإمرار القرآن على القلب.اهـ
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي البغدادي في كتابه “فتح الباري شرح صحيح البخاري”(1/ 429):
وما قيل من خشية النسيان فإنه يندفع بتذكر القرآن بالقلب، وهو غير ممنوع به.اهـ
الوقفة الثانية / عن حكم قراءة طرف الآية أو الآية والآيتين من القرآن لاسيما على سبيل الذكر والتبرك والتعوذ.
نُقل عن بعض التابعين – رحمهم الله تعالى – الترخيص في طرف الآية أو في فيما دون الآية أو في الآية والآيتين.
1- فقال ابن أبي شيبة في “مصنفه”(1098):
حدثنا عبيد الله، عن إسرائيل، عن عمر بن عبد الله قال: (( سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ: تَقْرَأُ الْحَائِضُ وَالْجُنُبُ؟ قَالَ: الآيَةَ وَالآيَتَيْنِ )).
وقال ابن أبي شيبة أيضاً (1099):
حدثنا عبيد الله، عن إسرائيل، عن عمر بن عبد الله، عن ابن معقل، مثل ذلك.اهـ
وفي بعض نسخ مصنف ابن أبي شيبة: “ابن مغفل”، وكذا في “فتح الباري شرح صحيح البخاري”(1/ 428) لابن رجب.
وفي الإسناد عمر بن عبد الله بن يعلى، وهو ضعيف، بل قال أبو حاتم: منكر الحديث، وقال الدارقطني: متروك.
2- وقال ابن أبي شيبة في “مصنفه”(1994) أيضاً:
حدثنا عبد الوهاب الثقفي، عن جعفر، عن أبيه: (( أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى بَأْسًا أَنْ يَقْرَأَ الْجُنُبُ وَالْحَائِضُ الشَّيءَ مِنَ الْقُرْآنِ )).
وإسناده صحيح.
وفي نسخة أخرى من “المصنف”: (( الآية والآيتين )).
وفي أخرى: (( أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا أَنْ يَقْرَأَ الْجُنُبُ الْآيَةَ وَالْآيَتَيْنِ )).
ودون ذكر: “الحائض”.
3- وقال ابن أبي شيبة في “مصنفه”(1103 و 1097) أيضاً:
حدثنا وكيع، عن سفيان، عن مغيرة، عن إبراهيم قال: (( تَقْرَأ مِمَّا دُونَ الآيَةِ، وَلاَ تَقْرَأُ آيَةً تَامَّةً )).
وسنده صحيح.
وقال الدارمي – رحمه الله – في “سننه”(1033):
أخبرنا يزيد بن هارون، عن هشام الدستوائي، عن حماد، عن إبراهيم قال: (( أَرْبَعَةٌ لَا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ: عِنْدَ الْخَلَاءِ، وَفِي الْحَمَّامِ، وَالْجُنُبُ، وَالْحَائِضُ، إِلَّا الْآيَةَ وَنَحْوَهَا لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ )).
وإسناده صحيح.
4- وقال الدارمي في “سننه”(1039):
أخبرنا يعلى، حدثنا عبد الملك، عن عطاء في المرأة الحائض أتقرأ؟ قال: (( لَا، إِلَّا طَرَفَ الْآيَةِ )).
وإسناده صحيح.
4- وقال ابن أبي شيبة في “مصنفه”(1090 و 1090):
حدثنا أبو خالد الأحمر، عن حجاج، عن عطاء، وعن حماد، عن إبراهيم وسعيد بن جبير في الحائض والجنب: (( يَسْتَفْتِحُونَ رَأْسَ الآيَةِ، وَلاَ يُتِمُّونَ آخِرَهَا )).
وقال الدارمي في “سننه”(1034):
أخبرنا عبد الله بن سعيد، حدثنا أبو خالد الأحمر، عن حجاج، عن عطاء، وحماد عن إبراهيم، وسعيد بن جبير، قالوا: (( الْحَائِضُ وَالْجُنُبُ يَسْتَفْتِحُونَ الْآيَةَ وَلَا يُتِمُّونَ آخِرَهَا )).
وحجاج هو ابن أرطاة.
وقد قال عنه الحافظ ابن حجر العسقلاني الشافعي – رحمه الله – في كتابه “تقريب التهذيب”(1119):
صدوق كثير الخطأ والتدليس.اهـ
وقال الدارمي في “سننه”(1030):
أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا سفيان، قال: بلغني عن إبراهيم وسعيد بن جبير أنهما قالا: (( لَا يَقْرَأِ الْجُنُبُ وَالْحَائِضُ آيَةً تَامَّةً، يَقْرَآنِ الْحَرْفَ )).
ولم تذكر الواسطة بين سفيان وإبراهيم، ولكن يشهد له ما قبله.
ولم أجد عن أحد من التابعين – رحمهم الله – أنه أباح للحائض القراءة مطلقاً.
وكذلك لم أجد النسبة إليهم فيما وقفت عليه من كتب فقهية، وشروح حديثية، وأبحاث مفردة، والله أعلم.
وقد ذهب أكثر العلماء إلى المنع من القراءة بكل حال، قليلاً كان أو كثيراً، ولو بعض آية.
فقال الحافظ ابن رجب الحنبلي البغدادي – رحمه الله – في كتابه “فتح الباري شرح صحيح البخاري”(1/ 428):
ومنع الأكثرون الحائض والجنب من القراءة بكل حال، قليلاً كان أو كثيراً، وهذا مروي عن أكثر الصحابة…، وهو قول أكثر التابعين، ومذهب الثوري، والأوزاعي، وابن المبارك، وأبي حنيفة، والشافعي، وأحمد وإسحاق – في إحدى الروايتين عنهما -، وأبي ثور وغيرهم.اهـ
وقال أبو الحسن ابن بطال المالكي – رحمه الله – في “شرح صحيح البخاري”(1/ 421-422):
واختلف قول مالك في قراءة الحائض، فروى عنه ابن القاسم وغيره إباحة الحائض أن تقرأ ما شاءت من القرآن، وروى عنه ابن عبد الحكم منعها من ذلك إلا الآية والآيتين.
ومنعها أبو حنيفة، والشافعي، وأحمد، وأبو ثور من قليله وكثيره، وروي مثله عن جابر بن عبد الله، وعن عطاء، وأبي العالية، وسعيد بن جبير، والزهري.اهـ
وقال فقيه الشافعية ومحدثهم أبو زكريا النووي – رحمه الله – في كتابه “الأذكار”(ص: 51-52):
ولكنَّ قراءة القرآن حرام على الجُنب والحائض والنفساء، سواء قرأ قليلاً أو كثيراً حتى بعض آية، ويجوز لهم إجراء القرآن على القلب من غير لفظ، وكذلك النَّظر في المصحف، وإمراره على القلب.
قال أصحابنا: ويجوز للجُنب والحائض أن يقولا عند المصيبة: “إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون”، وعند ركوب الدابة: “سبحان الذي سخَّر لنا هذا وما كُنَّا له مُقرنين”، وعند الدعاء: “ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار”، إذا لم يقصدا به القرآن، ولهما أن يقولا: بسم الله، والحمد لله، إذا لم يقصدا القرآن، سواء قصدا الذكر أو لم يكن لهما قصد، ولا يأثمان إلا إذا قصدا القرآن، ويجوز لهما قراءة ما نُسخت تلاوته ” كالشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما “.
وأما إذا قالا لإِنسان: “خذ الكتاب بقوّة”، أو قالا: “ادخلوها بسلام آمنين”، ونحو ذلك، فإن قصدا غير القرآن لم يحرم.اهـ
وقال أيضاً في “شرح صحيح مسلم”(4/ 68 – عند حديث رقم:373):
وإنما اختلف العلماء في جواز قراءة القرآن للجنب والحائض، فالجمهور على تحريم القراءة عليهما جميعاً، ولا فرق عندنا بين آية وبعض آية، فإن الجميع يحرم، ولو قال الجنب: بسم الله، أو الحمد لله، ونحو ذلك، إن قصد به القرآن حرم عليه، وإن قصد به الذكر أو لم يقصد شيئاً لم يحرم، ويجوز للجنب والحائض أن يجريا القرآن على قلوبهما، وأن ينظرا في المصحف، ويستحب لهما إذا أرادا الاغتسال أن يقولا: بسم الله، على قصد الذكر.اهـ
وقال فخر الدين الزيلعي الحنفي – رحمه الله – في كتابه ” تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق”(1/ 57):
ولا فرق بين الآية وما دونها في رواية الكرخي، وفي رواية الطحاوي: يباح لهما قراءة ما دون الآية…، هذا إذا قصد التلاوة، وأما إذا قصد الذكر والثناء نحو: “بسم الله الرحمن الرحيم” أو “الحمد لله رب العالمين” أو علَّم القرآن حرفاً حرفاً، فلا بأس به بالاتفاق، لأجل العذر، ذكره في “المحيط”.اهـ
وقال أبو الحسن الماوردي الشافعي – رحمه الله – في كتابه “الحاوي الكبير”(1/ 149):
فإذا ثبت أن الجنب والحائض والنفساء ممنوعون من قراءة القرآن، فلا يجوز لهم أن يقرءوا منه آية ولا حرفاً، وقال مالك وأحمد والأوزاعي: يجوز لهم أن يقرءوا الآية والآيتين تعوذاً وتبركاً، وقال أبو حنيفة: يجوز أن يقرءوا صدر الآية، ولا يجوز باقيها.
وكلا المذهبين خطأ، لأن حرمة يسيره كحرمة كثيره، فوجب أن يستويا في الحظر.اهـ
وقال الإمام موفق الدين ابن قدامة المقدسي الحنبلي – رحمه الله – في كتابه “المغني”(1/ 200):
فصل:
ويحرم عليهم قراءة آية، فأما بعض آية فإن كان مما لا يتميز به القرآن من غيره كالتسمية والحمد لله وسائر الذكر، فإن لم يقصد به القرآن فلا بأس، فإنه لا خلاف في أن لهم ذكر الله تعالى، ويحتاجون إلى التسمية عند اغتسالهم، ولا يمكنهم التحرز من هذا.
وإن قصدوا به القراءة أو كان ما قرءوه شيئاً يتميز به القرآن عن غيره من الكلام ففيه روايتان:
إحداهما: لا يجوز.
وروي عن علي – رضي الله عنه – أنه سئل عن الجنب يقرأ القرآن؟ فقال: لا ولا حرفاً.
وهذا مذهب الشافعي لعموم الخبر في النهي، ولأنه قرآن فمنع من قراءته كالآية.
والثانية: لا يمنع منه.
وهو قول أبي حنيفة، لأنه لا يحصل به الإعجاز، ولا يجزئ في الخطبة، ويجوز إذا لم يقصد به القرآن، وكذلك إذا قصد.اهـ
وقال القاضي عياض المالكي – رحمه الله – في كتابه “إكمال المعلم بفوائد مسلم”(2/ 227):
والأقوال الثلاثة لمالك – رحمه الله -، ولم يختلف قوله في قراءة اليسير منه كالآية ونحوها على وجه التعوذ.اهـ
الوقفة الثالثة / عن حكم مس المحدث حدثاً أكبر كالجنابة والحيض أو الأصغر كنواقض الوضوء للمصحف.
وتحت هذه الوقفة فرعان:
الفرع الأول: عن الإجماع المنقول على منع المُحْدِث من مس المصحف.
لا يجوز لجميع المحدثين سواء كان حدثهم من الأصغر أو الأكبر، ومن الذكور أو الإناث أن يمسوا المصحف باتفاق الصحابة والتابعين.
ودونكم من نقله مع النصوص والمصادر:
1- قال الإمام إسحاق بن منصور الكوسج ـ رحمه الله ـ في “مسائله”(1/ 89):
قلت ـ يعني: للإمام أحمد بن حنبل ـ:
“هل يقرأ الرجل على غير وضوء؟ قال: نعم، ولكن لا يقرأ في المصحف إلا متوضأ.
قال إسحاق ـ يعني: ابن راهويه ـ:
لما صح قول النبي صلى الله عليه وسلم: (( لا يمس القرآن إلا طاهر ))، وكذلك فَعَل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعون”.اهـ
2- قال فقيه الشافعية أبو زكريا النووي ـ رحمه الله ـ في كتابه “المجموع شرح المهذب”(2/ 86):
واستدل أصحابنا بالحديث المذكور، وبأنه قول علي، وسعد بن أبي وقاص، وابن عمر، – رضي الله عنهم -، ولم يعرف لهم مخالف في الصحابة.اهـ
3- قال الإمام ابن تيمية الحراني الدمشقي ـ رحمه الله ـ كما في “مجموع الفتاوى”(21/ 266):
مذهب الأئمة الأربعة أنه لا يمس القرآن إلا طاهر، كما قال في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم: (( أن لا يمس القرآن إلا طاهر )) قال الإمام أحمد: لا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم كتبه له، وهو أيضاً قول سلمان الفارسي وعبد الله بن عمر وغيرهما، ولا يعلم لهما من الصحابة مخالف.اهـ
وقال أيضاً (21/ 288):
وأما مس المصحف فالصحيح أنه يجب له الوضوء، كقول الجمهور، وهذا المعروف عن الصحابة: سعد وسلمان وابن عمر.اهـ
وقال أيضاً (12/ 270):
والصحيح في هذا الباب ما ثبت عن الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ وهو الذي دل عليه الكتاب والسنة، وهو أن مس المصحف لا يجوز للمحدث، ولا يجوز له صلاة الجنازة، ويجوز له سجود التلاوة، هذه الثلاثة ثابتة عن الصحابة.اهـ
وقال أيضاً في “شرح العمدة في الفقه”(1/ 383 – قسم الطهارة):
وكذلك جاء عن خلق من التابعين، من غير خلاف يعرف عن الصحابة والتابعين، وهذا يدل على أن ذلك كان معروفاً بينهم.اهـ
4– قال الحافظ ابن رجب الحنبلي البغدادي ـ رحمه الله ـ في كتابه “فتح الباري شرح صحيح البخاري”(1/ 404-405):
وأصل هذه المسألة:
منع المحدث من مس المصحف، وسواء كان حدثه حدثاً أكبر، وهو من يجب عليه الغسل، أو أصغر وهو من يجب عليه الوضوء.
هذا قول جماهير العلماء، وروي ذلك عن علي، وسعد، وابن عمر، وسلمان، ولا يعرف لهم مخالف من الصحابة.اهـ
5- قال الحافظ أبو نصر السجزي ـ رحمه الله ـ في كتابه “الرد على من أنكر الحرف والصوت”(ص:202):
والفقهاء مجمعون على أن مس المحدث إياه لا يجوز.اهـ
6- قال الحافظ ابن عبد البر النمري المالكي ـ رحمه الله في كتابه “الاستذكار”(8/ 10):
أجمع فقهاء الأمصار الذين تدور عليهم الفتوى وعلى أصحابهم بأن المصحف لا يمسه إلا الطاهر، وهو قول مالك، والشافعي، وأبي حنيفة، وأصحابهم، والثوري، والأوزاعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأبي ثور، وأبي عبيد، وهؤلاء أئمة الرأي والحديث في أعصارهم، وروي ذلك عن سعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن عمر، وطاوس، والحسن، والشعبي، والقاسم بن محمد، وعطاء، وهؤلاء من أئمة التابعين بالمدينة ومكة واليمن والكوفة والبصرة.اهـ
وقال في كتابه “التمهيد”(17/ 397):
ولم يختلف فقهاء الأمصار بالمدينة والعراق والشام: أن المصحف لا يمسه إلا الطاهر، على وضوء، وهو قول مالك، والشافعي، وأبي حنيفة، والثوري، والأوزاعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأبي ثور، وأبي عبيد، وهؤلاء أئمة الفقه والحديث في أعصارهم، وروي ذلك عن سعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن عمر، وطاوس، والحسن، والشعبي، والقاسم بن محمد، وعطاء.اهـ
7- قال الوزير ابن هبيرة الحنبلي ـ رحمه الله ـ في كتابه “الإفصاح”(1/ 68):
وأجمعوا على أنه لا يجوز للمحدث مس المصحف.اهـ
8- قال الإمام موفق الدين ابن قدامة المقدسي الحنبلي ـ رحمه الله ـ في كتابه “المغني”(1/ 202) معلقاً على قول الخرقي “ولا يمس المصحف إلا طاهر”:
يعني: طاهراً من الحدثين جميعاً، روي هذا عن ابن عمر، والحسن، وعطاء، وطاوس، والشعبي، والقاسم بن محمد، وهو قول مالك، والشافعي، وأصحاب الرأي، ولا نعلم لهم مخالفاً إلا داود فإنه أباح مسه…وأباح الحكم وحماد مسه بظاهر الكف.اهـ
9- قال الفقيه أبو الخطاب الأندلسي المالكي الشهير بابن دحية الكلبي ـ رحمه الله في كتابه “أداء ما وجب من بيان وضع الوضاعين في رجب”(ص:171):
ولم يختلف فقهاء الأمصار بالمدينة والعراق والشام أن المصحف لا يمسه إلا الطاهر على وضوء، وهو قول مالك، والشافعي، وأبي حنيفة، والثوري، والأوزاعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأبي ثور، وأبي عبيد، وروي ذلك عن عبد الله بن عمر، وطاوس، والحسن، والشعبي، والقاسم بن محمد، وعطاء، وهذا هو الصواب من امتثال ما في كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم: (( أن لا يمس القرآن أحد إلا وهو طاهر )).
ومن شذ عن هذا، وخالف الأثر كداود وغيره، فقد حاد عن سواء الطريق، والله الهادي إلى التوفيق.اهـ
الفرع الثاني: عن الآثار الواردة عن الصحابة – رضي الله عنهم – في منع المُحْدِث من مس المصحف.
ودونكم – سلمكم الله – ما وقفت عليه من آثار ثابتة عنهم – رضوان الله عليهم -.
1- أثر سعد بن أبي وقاص ـ رضي الله عنه ـ.
ثبت عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص – رحمه الله – أنه قال: (( كنت أمسك المصحف على سعد بن أبي وقاص فاحتككت، فقال: لعلك مسست ذكرك؟ قال: فقلت: نعم، فقال: قم فتوضأ، فقمت فتوضأت ثم رجعت)) رواه مالك في الموطأ (57)، وابن أبي داود في “المصاحف”(ص:184-185)، والطحاوي في “شرح معاني الآثار”(1/ 76).
وقال الحافظ البيهقي الشافعي ـ رحمه الله ـ في كتابه “الخلافيات”(1/ 516 – مسألة:12):
هذا ثابت، رواه مالك في “الموطأ”.اهـ
وقال الإمام ابن تيمية الحراني الدمشقي ـ رحمه الله ـ كما في مجموع الفتاوى” (21/ 200):
وهو ثابت عن سعد.اهـ
وصححه العلامة الألباني ـ رحمه الله ـ في كتابه “إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل”(1/ 161 – رقم:122).
2- أثر سلمان الفارسي ـ رضي الله عنه ـ.
ثبت عن عبد الرحمن بن يزيد – رحمه الله – أنه قال : (( كنا مع سلمان في حاجة، فذهب فقضى حاجته، ثم رجع فقلنا له: توضأ يا أبا عبد الله لعلنا نسألك عن آي من القرآن، قال: فاسألوا فإني لا أمسه، إنه: { لا يمسه إلا المطهرون } قال: فسألناه فقرأ علينا قبل أن يتوضأ )) رواه ابن أبي شيبة في “مصنفه”(1/ 98 – رقم:1100 و 1101) واللفظ له، والدارقطني في “سننه” )1/ 123 – رقم: 8 و 9 و 10 و 11 و 12)، والحاكم في “المستدرك”(1/ 183).
وصححه الدارقطني والحاكم – رحمهما الله – عقب ذكرهما له.
وقال الإمام ابن تيمية الحراني الدمشقي ـ رحمه الله ـ كما في “مجموع الفتاوى”(21/ 200):
وهو ثابت عن سلمان.اهـ
3- أثر عبد الله بن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنهما ـ.
ثبت عن نافع عن ابن عمر- رضي الله عنهما -: (( أنه كان لا يمس المصحف إلا وهو طاهر )) رواه ابن أبي شيبة في “مصنفه” (2/ 140 – رقم: 7428) واللفظ له، وأبو عبيد في “فضائل القرآن”(ص:244)، وابن المنذر في “الأوسط”(2/ 101 – رقم:629)، والمستغفري في “فضائل القرآن” (1/ 219 – رقم:167).
الوقفة الرابعة / عن حكم ذكر الله تعالى بالتسبيح والتهليل والتكبير وأشباهه للحائض.
قال الحافظ ابن رجب الحنبلي البغدادي – رحمه الله – في كتابه “فتح الباري شرح صحيح البخاري”(1/ 430):
واستدلاله – أي البخاري – بقوله تعالى: { وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ } فهو دليل على جواز التسمية للحائض والجنب، فإنهما غير ممنوعين من التذكية.
قال ابن المنذر: لا أعلم أحداً منع من ذلك، قال: وأجمع أهل العلم على أن لهما أن يذكرا الله، ويسبحانه.اهـ
قلت:
وكلام الحافظ ابن المنذر – رحمه الله – موجود في كتابه “الإشراف على مذاهب العلماء لابن المنذر”(3/ 434- مسألة رقم:1712 و 1713).
وقال أبو زكريا النووي الشافعي – رحمه الله – في كتابه “المجموع شرح المهذب”(2/ 387):
فأما إجراء القراءة على القلب من غير تحريك اللسان، والنظر في المصحف وإمرار ما فيه في القلب فجائز بلا خلاف.
وأجمع العلماء على جواز التسبيح، والتهليل، وسائر الأذكار، غير القرآن للحائض والنفساء.اهـ
وقال الإمام موفق الدين ابن قدامة المقدسي الحنبلي – رحمه الله – في كتابه “المغني”(1/ 200):
فإنه لا خلاف في أن لهم ذكر الله تعالى.اهـ
وأخرج مسلم (373) عن عائشة – رضي الله عنها – أنها قالت: (( كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ اللهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ )).
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي – رحمه الله – في كتابه “جامع العلوم والحكم”(2/ 516):
والمعنى: في حال قيامه، ومشيه، وقعوده، واضطجاعه، وسواء كان على طهارة أو على حدث.اهـ
وقال أيضاً في كتابه ” فتح الباري شرح صحيح البخاري”(1/ 305) عقب هذا الحديث:
وفيه دليل على أن الذكر لا يمنع منه حدث ولا جنابة، وليس فيه دليل على جواز قراءة القرآن للجنب، لأن ذكر الله إذا أطلق لا يراد به القرآن.اهـ
وقال أبو زكريا النووي الشافعي – رحمه الله – في “شرح صحيح مسلم”(4/ 68 – عند حديث رقم:373):
قول عائشة – رضي الله عنها -: (( كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ اللهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ )) هذا الحديث أصل في جواز ذكر الله تعالى بالتسبيح، والتهليل، والتكبير، والتحميد، وشبهها من الأذكار، وهذا جائز بإجماع المسلمين.اهـ
ودونكم بعض الآثار الواردة عن التابعين في ذلك:
1- قال الدارمي في “سننه”(1209):
أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا سفيان، عن مغيرة، عن إبراهيم قال: (( الْحَائِضُ وَالْجُنُبُ يَذْكُرَانِ الله وَيُسَمِّيَانِ )).
وإسناده صحيح.
وقال عبد الرزاق في “مصنفه”(1305):
عن الثوري عن مغيرة عن إبراهيم، بمثله.
وإسناده صحيح.
2- وقال عبد الرزاق في “مصنفه”(1304):
عن ابن جريج قال: (( قُلْتُ لِعَطَاءٍ: الْحَائِضُ وَالْجُنُبُ يَذْكُرَانِ الله؟ قَالَ: «نَعَمْ» )).
وإسناده صحيح.
وقال ابن أبي شيبة في “مصنفه”(7266):
حدثنا حفص بن غياث، عن عبد الملك، عن عطاء أنه كان يقول في الحائض: (( تُنَظِّفُ وَتَتَّخِذُ مَكَانًا فِي مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ تَذْكُرُ الله فِيهِ )).
وإسناده صحيح.
3- وقال عبد الرزاق في “مصفنه”(1302):
عن معمر قال: (( سَأَلْتُ الزُّهْرِيَّ عَنِ الْحَائِضِ وَالْجُنُبِ أَيَذْكُرَانِ الله؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قُلْتُ: أَفَيَقْرَآنِ الْقُرْآنَ؟ قَالَ: «لَا» )).
وإسناده صحيح.
وكتبه:
عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد.