سرعة الشباب إلى المهالك والتأثر بالغير وفكره وفعاله وحزبه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سُرعة الشباب إلى المَهالك والتأثر بالغَير وفِكره وفِعاله وحِزبه
الخطبة الأولى: ــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمدُ للهِ الذي امتنَّ علينا فجعلَنا مِن أهلِ الإيمانِ بِه: { يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ }، ووعدَنا على ذلكَ بالتَّنعُّمِ الدائمِ في جنَّتِه: { وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا }، وصَلَّى اللهُ وسلَّمَ على النبيِّ محمد القائلِ: (( كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى، قَالُوا: وَمَنْ يَأْبَى؟ فَقَالَ: مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى ))، ورَضِيَ اللهُ عن أزواجِه وذُرِّيَّتِه وباقِي أهلِ بيتِه وأصحابِه.
أمَّا بعدُ، أيُّها الناس:
فإنَّ حَداثةَ السِّنِّ والمُراهقةِ إذا أُطلِقَت فهيَ كِنايةُ عن الشبابِ وأوَّلِ العُمُر، وحَدَثُ السِّنِّ والمُراهِقِ شاءَ أمْ أبَى، كابرَ أمْ لم يُكابِر، سَلَّمَ أو عانَد، قليلُ التَّجرُبَة، ضعيفُ الإدراك، ناقصُ التدبيرِ والتفكير، أسِيرُ التأثُّرِ والإعجابِ بما يَرى ومَن يُحِب، سريعُ المُحاكاةِ والمُماثلَةِ والتَّشبُّهِ بمَن يُعجِبُه، ولِما يُشاهِد، عَجِلُ الفِعلِ لِما يَقتنعُ بِه ويَعتقدُه، تصحبُه اللامُبالاة، وضعفُ الحياء، وعدمُ الاكتراثِ بالغير، وما سَيحصلُ له، ويؤولُ إليهِ أمْرُه في أحايينَ كثيرة، بل يَكْثرُ أنْ لا يَنساقَ إلى ما يَنفعُه ويُصلِحُه إلا بإشارةِ مُشِير، وتسديدِ كبير، وتوجيهِ حليم، ومُعاونةِ عاقل، ومُتابعةِ قريب، وسيَعلمُ صِدْقَ ذلك ويَترقَّى إلى الأكملِ مع مُرورِ السِّنين، وإذا أصبحَ أبًا، ووصلَ أولادُهُ إلى هذا السِّن، وهذهِ المرحلة.
ألَسْنَا نَرَاهُ في بَراثِنِ اللَّعبِ واللَّهوِ ومَراتعِ الفسادِ والمعصيةِ سِنينَ عديدة، ثمَّ يأتِي مَن يَحْرِفُهُ في مُدَّةٍ قصيرةٍ أو مجلِسٍ واحدٍ أو مُناقشةٍ عبرَ برامجِ التواصلِ أو الإنترنيت ومواقعِه ومقاطعِه أو خُطبةِ بليغٍ ومُحاضَرَتِه، وإذا بِه قد تغيَّرَ وتبدَّل، بل انحرَفَ وانجرَف، ووقعَ في شرٍّ غليظ، وضررٍ ومؤكَّد، حيثُ بدأَ يَنجرُّ إلى مذهبِ الخوارجِ وطريقِهم، فأصبحَ يُخوِّنُ حُكَّامَهُ وأكابرَ العلماء ويَرميهِم بالعمالةِ للأعداء، ويَرى نفسَهُ غُرورًا أغْيَرَ مَن غيرِه على دِينِ اللهِ وشرعِه، وألْصَقَ ببلادِ وجراحاتِ المسلمينَ وآلامِهم، ثم بعدَ ذلكَ يَلِجُ بابَ التكفيرِ الذي يَهابُه أكابرُ الرَّاسِخينَ في العلم، وما هي إلا بُرْهةٌ وإذا بِه يُكفِّرُ الحُكَّامَ والجُندَ والعلماءَ الذين لا يَستقيمُ الدِّينُ والأمْنُ والبلادُ وأحوالُ العبادِ إلا بِهِم، ثمَّ سُرعانَ ما يَلجُ بابَ التطبيقَ بالقتل، فيَقتلَ نفسَهُ وأنْفسَ المَعصومينَ بحقِّ الإسلام، وحقِّ العهد، ونُصوصٍ الشريعة، ويفعلُ هذا القتلَ بالرَّصاصِ والتفجيرِ في بلدِه وغيرِ بلدِه، ويَرى جُرمَهُ هذا جهادًا، وأنَّه في طريقِ الجِنانِ، وعليهِ يَسير، والحورَ العِينَ تنتظِرُه، وهوَ إنَّما سلكَ طريقَ النَّار، ومنهجَ الخوارج، وغالبُ الخوارجِ هُم مِن فِئةِ الشباب، ومِن أهلِ المُراهَقةِ، وحَداثةِ السِّن، وهوَ أيضًا ما نَراهُ اليوم، ورآهُ مَن سبقَنَا، وقد أعلَمَنا بِه أيضًا ربُّنا ــ عزَّ وجلَّ ــ عن طريقِ نبيِّه صلى الله عليه وسلم، فصحَّ عنه أنَّه قال عن الخوارج: (( يَأْتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ حُدَثَاءُ الأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الأَحْلاَمِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ البَرِيَّةِ، يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلاَمِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، لاَ يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ، فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ قَتْلَهُمْ أَجْرٌ لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ )).
ألَسْنَا نَرَى أهلَ هذهِ المَرحلةِ العُمريةِ مَرحلةِ حَداثةِ السِّنِ والمُراهقةِ والشبابِ هُم أكبرُ وقودِ المذاهبِ والتياراتِ المُختلِفة، فهُم أكثرُ مَن يَنجذِبُ أو يتساقطُ في أوحالِ ومُستنقَعاتِ اللبراليةِ والعلمانيةِ واللادِينيةِ والإلحادِ والتغريبِ والشُّذوذِ الجِنسِيِّ والمِثلِيِّ، وسِكَكِها الشهوانيةِ القذِرَة، ونَتنِها الزِّاحفِ المُتفسِّخ، وتفكُّكِها الأُسَريِّ الآثِم، وتَمرُّدِها على شرعِ ربَّها، وأحكامِ شريعتِه، وتَبعيَّتِها لأهلِ الكفرِ وأحزابِهم ومُنظماتِهم، وصُدورِها عن رأيهِم وأمرِهم ومذاهبِهم.
ألَسْنَا نَرَى أهلَ هذهِ المَرحلةِ العُمريةِ مَرحلةِ حَداثةِ السِّنِ والمُراهقةِ والشبابِ هُم أكثرُ مَن يَنجذِبُ ويَنشرُ، بل ويُكافِحُ ويُنافِحُ عن الأحزابِ والجماعاتِ والتنظيماتِ والفِرَقِ التي خدَعَت الناسَ بأسماءٍ إسلامية، وهيَ سياسيةٌ كغيرِها لا تريد إلا الحُكمَ والسُّلطة، ولكنْ عن طريقِ عاطفةِ الإسلام، وشعاراتِ أهلِه، لأنَّها تجذِبُ أكثرَ مِن غيرِها، لأنَّ المُنجذِبَ يظنُ أنَّه مأجورٌ لا مأزور، مع أنَّ مخالفاتِ هذهِ الجماعاتِ ومخالفاتِ أهلِها ورُموزِها ودُعاتِها وأفرادِها للإسلامِ ظاهرةٌ وكثيرةُ وغليظة، بل حتى في أصولِه وثوابتِه وعقائدِه.
والإسلامُ قد منعَ مِن التفرُّقِ في الدِّينِ إلى أحزابٍ وجماعاتٍ وفِرَق، وأمرَهُم بأنْ يكونوا جماعةً واحدةً، فقالَ اللهُ سبحانه مُبرِّئًا رسولَهُ صلى الله عليه وسلم عن هذا التفرُّقِ المُحرَّمِ وأهلِه: { إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ }، وقال ــ جلَّ وعلا ــ ناهيًا هذا التفرُّقِ ومبينًا أنَّه مِن أفعالِ أهلِ الشِّركِ حتى لا نَتشبَّهَ بِهم: { وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ }، بل وتوعدَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أهلَ هذا التفرُّقِ المُحرَّمِ بالنَّار، فصحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَتَفْتَرِقَنَّ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هُمْ؟ قَالَ: الْجَمَاعَةُ )).
ويا للهِ كم أحرَقَتِ التياراتُ والأحزابُ والجماعاتُ والتنظيماتُ المتنوعةُ باسمِ الدِّين، والمذاهبُ اللادَينية والتغريبيةُ، ورُموزُها ودعاتُها وقنواتُها وإعلامِيُّوها مِن الشبابِ والفتياتِ في سبيلِ وصولِها ووصولِهم إلى الحُكمِ والمَناصبِ، وبسْطِ أفكارِها ومناهِجِها، لقد أحرقوهُم وأحرقوا بِهم بلدانَهم، أدخلوهُم في المظاهراتِ والاعتصاماتِ والاحتجاجاتِ والمسيراتِ باسمِ الدِّينِ والأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِّ عن المُنكَر، والعدالةِ والمساواةِ والحُريةِ والديمقراطيةِ والعِزَّةِ والكرامةِ والظلمِ والوظائفِ والبطالةِ والغَيرةِ على البلادِ ودِينِها وموارِدِها واقتصادِها، فماذا كانت النتيجةُ، لقد أعقبَ ذلكَ ثوراتٌ ومُواجهاتٌ مسلَّحة، فكان أنْ أشتعلَت في البلدِ الحروب، وزادتِ الكُروب، وذهبَتِ الأنفسُ والثمرات، وامتلأتِ المستشفياتُ والبيوتُ بالمُصابين، وأُتلِفتِ الأموالُ والمُمتلكات، وأُحرِقَتِ المُدنُ والقُرى والأريافُ والبوادي، ودُمِّرَت البيوتُ والمراكبُ والمساجد، وأُفْسِدت الزُّروعُ والثِّمارُ والمتاجِرُ والأسواق، وقُسِّمت الدولةُ الواحدةُ إلى دُويلات، وأُجِّجَت بينَ أفرادِ الشَّعبِ الواحدِ العداوات، وزالَ الأمْنُ والاستقرار، وحلَّ الخوف، وأُضعِفت الجيوشُ والشُّرَط، وكَثُرت الأراملُ والأيتام، وأُنهِكَ الاقتصاد، وأُهدِرَت الثروات، وزادَ الفقرُ والجوع، وتوسَّعت البطالة، وشَحَّت الوظائفُ والأعمال، وقام سوق أهل الإفساد والإجرام، فزادت السَّرقات والاعتداءات، وتشرَّدَ وهُجِّرَ الصغارُ والكبارُ، والذُّكورُ والإناث، في شرقِ الأرضِ وغربِها، وبلادِ الإسلامِ وأرضِ الكفر.
فاللهَ اللهَ أُذَكِّرُكم بِه معاشرَ الشبابِ في حقِّ أنفسِكُم، فلا تجعلوا حَداثةَ السِّنِ مَهلَكةً لكُم ومَحرَقَة، تُفسِدونَ بِها دُنياكُم وأُخْراكُم، وتُكدِّرونَ بِها أوطانَكُم وشَعبَكُم، وتُحزِنونَ بِها والدَيكُم وأهلِيكم وقبائِلِكم، احذَروا أنْ تُدخلوا أنفُسَكُم في كل ما تقرؤونَ وتَسمعونَ وتُشاهِدون، ولا تنقادوا لكلِّ قائلٍ ومُنظِّرٍ ومُناظرٍ ومُحاورٍ وخطيبٍ وداعيةٍ وسياسيِّ وإعلامِيِّ ومُحلِّلٍ ومُراسِل ومُجاهِد، وتحَلّوا بالأناةِ والتؤدةِ واتركوا العجَلة، وأعْمِلوا عقولَكم بالتفكير في الأمورِ وعواقِبها، ولا تُعيرُوها لغيرِكمُ يَصرِفُها كيفَ شاء، ويتصرَّفُ بها حيثُ شاء، واستعينوا بأكابرِ أهلِ العلمِ الراسخينِ مِن أهلِ السُّنةِ السائرينِ على طريقةِ السَّلفِ الصالح، وكُتبِهِم وفتاويهِم وصوتياتِهم، فيما تُقدِمونَ عليه مِن أمور، أو يَختلِجُ نفوسَكم مِن أحداثٍ وأفكارٍ وشُبَهٍ واستدلالات، والزَمُوا أهلَ الفضلِ مِن كبارِ السِّنِ في المَشورة، فعندَهُم مِن التجرُبةِ والمعرفةِ ما قد لا تتوقعونَه، وقد عاصَروا فِتنًا وأحداثًا وأُناسًا أكثرَ مِنكم، وتَلقَّوا دُروسًا أكبَر، وخَبَروا الناسَ والأحزاب.
ومَن أرادَ مِنكم ــ يا معاشِرَ الشبابِ ــ التَّديُّنَ والاستقامةَ أكثر، فدِينُ اللهِ واضحٌ وبيِّنٌ وسهل، وبابُ العباداتِ بفرائضِه وسُننِه واسعٌ ومعلوم، فتزوَّدوا مِنه ما استطعتُم، ومِثلُه بابُ المعاملاتِ مع الناس، فأحسِنوا فيه، وأقيموهُ على وجههِ الصَّحيحِ شرعًا، وبابُ الآدابِ والأخلاقِ رحْبٌ، فاجعلوا لكم مِن كلِّ أبوابِه سهمًا، واعْمُروا بِه أنفسَكم، وجَمِّلوا بِه البواطنَ والظواهر، وليسَ التَّديُّنُ والاستقامُ أنْ تدخلوا مع جماعة، وتنتسبوا لِتنظيم، واعرِفوا قدْرض أنفسِكم، فلا تُدخِلوها فيما ليسِ لها، ولا هي مِن أهلِه، فبابُ السياسةِ يخصُّ حاكمَ الناس، ومَن يُنيبُ ويُوكِّلُ ويُعيِّن، فإنْ أحسَنوا فلأنفسِهم، وللناس، وجزاهمُ اللهُ خيرًا، وإنْ قصَّروا فسَيسألُهم الله، ويُحاسَبون، وبابُ الجهادِ إقامتُه شرعًا ترجعُ إلى الحاكمِ ومَن يُنيب، وهو الذي يَعقدُ رايتَه، ويَدْرسُ أوقاتَه وأوضاعَه وعُدَّتَه، ويَنظرُ في المصالحِ والمفاسدِ المُترتبةِ على إقامتِه حِينها مِن عدمِها، ويدعو جُندَهُ ورعِيتَهُ إليه، ولا يجوزُ أنْ يُفتاتَ عليهِ فيه، وهكذا كانَ الجهادُ في زمَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأصحابِه ومَن بعدَهم، وليسَ أمْرُ الجهادِ موكولٌ إلى أشخاصٍ، أو دُعاةٍ، أو خطباء، أو أحزابٍ، أو مجموعاتٍ شبابية، وقد صحَّ أنَّه صلى الله عليه وسلم قالَ في تقريرِ هذا الأمر: (( إِنَّمَا الْإِمَامُ جُنَّةٌ، يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ ))، والإمامُ هو: الحاكم.
واعلموا أنَّ بابَ المُكفِّرات، وتكفيرَ الشخصِ المُعيَّنِ حاكمًا كان أو محكومًا، ورَمْيَ الغيرٍ بزندقةٍ أو نفاقٍ أو عَلمانيةٍ أو لِبراليةٍ أو إلحادٍ مرجعُه إلى أكابرِ أهلِ العلمِ الرَّاسخين فيه، وليسَ لكُم ولا لِغيرِكم، فهُم أعلمُ بشرعِ اللهِ ونُصوصِه، وهُم أعلمُ بالأحوالِ ومعاني الألفاظِ الصَّادرة، وأدرَى بشُروطِ التكفيرِ وموانِعِه، ومتى تنطبِقُ، ومتى تتخلَّف، وأعرَفُ ببابِ المصالحِ الشرعيةِ والمفاسدِ، وما يقلِّلُها ويُكثِّرُها، ومتى يُسكَت ويُتكَلَم، واعلموا أيضًا أنَّ شريعةَ اللهِ قد أرجعَت ما يحصلُ في البلادِ مِن فتنٍ ونوازِلٍ ومُستجدَّاتٍ تتعلقُ بالناس والرَّعيةِ والبلادِ إلى وُلَاةِ مِن أُمَرَاءٍ وعلماء، وليسَ إليكم، أو إلى كلِّ أحد، رحمةً بالخلقِ والبلادِ، حيثُ قالُ اللهُ سبحانه: { وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ }، فاتقوا اللهَ ولا تَخرجوا عن شرعِه في هذا الباب، فقد قالَ سبحانه مُخوِّفًا لكُم بعقوباتِ هذا الخُروجِ الدُّنيويةِ والأُخْرَويَّة: { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }، وسُبحانَ اللهِ وبحمدِه، سُبحانَ اللهِ العظيم.
الخطبة الثانية: ــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمدُ للهِ المَحمودِ على كلِّ حال، وأشهدُ أنْ لا إله إلا اللهُ وأنَّ محمدًا عبدُ ورسولُه ومُصْطفاه، وباللهِ ربِّي أستعين.
أمَّا بعدُ، فيَا معاشِرَ الشباب:
إنَّ الوالدَ مِن أشدِّ الخلقِ رحمةً بِكُم، وأعظمِهم شفقةً عليكم، وأكثرِهم حِرصًا أنْ تُوفَّقوا ولا تُؤذَوا، وأصدقِهم نُصحًا لكم، فلا تَغفلوا عن الرجوعِ إليهِ واستشارتِه في ما يَعترِضُ طريقكم، ويَستجِدُّ معَكم، ويَلِجُ إلى بيئتِكم الشبابيةِ مِن أفكارٍ وأُمورٍ لا تُعهَدُ في مُجتمعِكم وبلادِكم، وفيما تَذرونَ وتفعلونَ ويُقابلُكم في حياتكم، حتى ولو كانَ آباؤُكم مِن عوامِّ الناسِ أو لا يَقرؤونَ ويَكتبون، فالوالدُ وإنْ أعطاكَ إجابةً مُختصرَةً أو وجَّهَكَ بطريقةٍ قد لا تُعجِبُكَ، فقد أعطاكَ خِبرَةَ وتجرُبةَ سِنينَ عديدةٍ بالناسِ وبالأحوالِ والأحداثِ والوقائعِ، وقد مرَّ عليهِ أضعافُ ما مرَّ بِك، وخَبِرَ الناسَ وأفعالَهُم وتقلُّباتِهم وما جَرَى عليهم، وجَرى بسببِهم، لكنَّ إجابَتَهُ لكَ ونُصحَهُ وتوجيهَهُ ليس كغيرِه، بل يَصحَبُ كبيرُ الرَّحمةِ والشفقةِ والنُّصحِ والصِّدق، بل قد يَهتَمُّ لكَ في ذلكَ حتى أكثرَ مِن نفسِه، وقد ثبتَ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لرَجُلٍ: (( الوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الجَنَّةِ، فَإِنْ شِئْتَ فَأَضِعْ ذَلِكَ البَابَ أَوْ احْفَظْهُ )).
هذا وأسألُ اللهَ: أنْ يُعيذَنا مِن الفتنِ ما ظهرَ مِنها وما بَطن، اللهمَّ احفظنَا مِن بين أيدِينا ومِن خلفِنا، وعن أيمانِنا وعن شمائِلنا، ومِن فوقِنا ومِن تحتِ أرجلِنا، واحفظنا بالإسلامِ قائمينِ وقاعدينِ وراقِدين، اللهمَّ سدِّد حكامَ المسلمينَ ونُوَّابَهُم وعُمالَهُم وجُندَهم إلى كلِّ خير، وادفَع عنهم وبِهم عن الإسلام والمسلمين كلَّ شَر، وانصُر بِهم دِينكَ وكتابكَ وسُنَّةَ نبيِّكَ صلى الله عليه وسلم، إنَّكَ سميعُ الدُّعاء، وأقولُ هذا، وأستغفرُ اللهَ لِي ولكُم.