إغلاق
موقع: "عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد" العلمي > الخطب المكتوبة > خطبة مكتوبة بعنوان: ” هلكتُنا وضعفُنا وإذلالُنا وتفرُّقنا وتناحُرنا مِن نِتاج ذنوبنا “.

خطبة مكتوبة بعنوان: ” هلكتُنا وضعفُنا وإذلالُنا وتفرُّقنا وتناحُرنا مِن نِتاج ذنوبنا “.

  • 15 أكتوبر 2016
  • 11٬672
  • إدارة الموقع

هلكتنا وضعفنا وإذلالنا وتفرُّقنا وتناحُرنا مِن نِتاج ذنوبنا

الخطبة الأولى: ــــــــــــــــ

الحمد لله الحكيم في أمره وخلقه، القوي في أخذه وقهره، مَن بارزه بالعصيان أذاقه عذابًا أليمًا، ومَن استغفره مَن ذنوبه وجده توابًا رحيمًا، ومَن سأله مَن فضله وجده جوادًا كريمًا، يُعطي لحكمة، ويمنع لحكمة، وأشهد أنْ لا إله إلى الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، بشَّر وأنذر، وأرشد وحذَّر، وأوضح سبيل النجاة فلا يَزيغ عنه إلا هالك، فاللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه الذين كانوا بالحق عاملين، وله ناصرين، وعليه متعاونين.

أمَّا بعد، أيُّها المسلمون:

فكم لبلاد عديدة مِن ديار المسلمين وهي تأن، وكم لها وهي تحترق، ومُنذ متى وهي تنزِف، وكم مرَّ عليها وهي لا تزال تضطرب، بل كم لها وهي تتوجع وتصرخ وتتقلَّب وتَتدمَّر وتُدمَّر وتُفكك وتُمزَّق، وكم في بلاد المسلمين، مِن فتنٍ ومطاحن، ونكباتٍ وبلايا، ومِحَنٍ ورزايا، وخُطوبٍ وكُروب، وإلى أيِّ حالٍ وصل ضعف المسلمين، وهوانهم على الناس.

أيُّها المسلمون:

إنَّ مِن المعلوم ضرورة مِن نصوص القرآن والسُّنة النَّبوية:

أنَّه ما سُلِّط وتَسلَّط علينا أعداء الله، وأعداء دينه وشرعه، وأعداء رسله وكتبه، ولا حلَّت في ديارنا الحروب، وكَثُر القتل في صفوفنا، وتوسَّعت آلامنا، وازدادت نكباتنا، وعَظُمت مِحَنُنا، وضعُفت قوانا، وتَردَّى اقتصادنا، وأُخِذت خيراتنا وأفَلَت، وتناحرنا فيما بيننا، إلا مِن عند أنفسنا، إلا بما عملته أيدينا، إلا بسبب ذنوبنا وآثامنا ومعاصينا، وصدق الله، وكذب المتخرِّصون مِن المحلِّلين أو أخطئوا، حيث قال ــ عزَّ شأنه ــ في سورة الشورى مُبيِّنًا سبب ذلك: { وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ }.

أيَّها المسلمون:

إنَّ الذنوب والآثام، والفواحش والمنكرات، والقبائح والرذائل، والجرائم والمَخازي، والظلم والعدوان، والبَغْي والفسق والفجور، لتؤثِّر في أمْن البلاد، وتؤثِّر في رخائها واقتصادها، وتؤثِّر في قلوب أهلها، وإنَّ ما يُصيب الناس مِن المصائب العامة أو الخاصة، الفردية أو الجماعية، فإنَّه بما كسبت أيديهم، هٌم سببه، وهٌم أهله، هٌم سببه حيث فعلوا ما يُوجبه، ــ وهي المعاصي ــ وهُم أهله حيث كانوا مستحقين له، وقد أبَان ذلك وكشفه ربُّنا سبحانه فقال: { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمُ الْجِهَاد،َ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلاًّ لاَ يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ ))، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه قال مُحذِّرًا أمَّتَه جمعًا ووحدانًا: (( وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ، فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ )).

أيُّها المسلمون:

إنَّ مَن نظر إلى أحوال أهل الإسلام، وقلَّب بصره ومعه عقله وقلبه، في شرقٍ وغرب، وشمالٍ وجنوب، وفي قُرىً ومُدن، وبحار وأنهار ومنتزهات، وطُرق ودروب، وبيوت ومراكب، وأسواق ومجَامِع، فسيرى ما يَندى له الجبين، وتحزن لهوله القلوب، وترجُف بسببه الأفئدة، وترتعد له الفرائص: إنَّها ذنوب تتواصل، ومنكرات تتجدَّد، وسيئات تتزايد، وقبائح تتلاحق، ومُخزيات تتكاثر، وجهل بقال الله وقال رسوله يكْبُر ويكْثُر.

وانظر إذا شئت في أقطار كثيرة مِن بلادنا الإسلامية، وقد بُنيَت المساجد على القبور، أو بُنيت عليها الأبنية أو القِباب، وهي مُزيَّنة مُبهرَجة مُزخرَفة، وكأنها أمكنة عُرس وفرح، لا عذاب أو نعيم، والناس حولها يُشركون بربِّهم بدعاء غيره، فهذا يطلب مِن الميت الصالح: العون، وهذا يطلب: الفرج، وهذا يطلب: الولد، وهذا يطلب: الشفاء، وهذا يطلب: المدد، وآخر يطوف عليها وكأنها الكعبة، ومع كلِّ هذا، فالمنكِر عليهم هذا الشرك أقلّ مِن القليل، والسَّاكت والمُثبِّط والمُخذِّل عن بيان الحق لهم كثير.

وألْحِق بالبدع في الموالد، والمآتم، والأعياد، والجنائز وزيارة القبور، والجُمع والجماعات، والخِطبة وعقود النكاح، والأذكار والأوراد، والحج والعمرة، وفي شهر محرم وعاشوراء، وربيعٍ الأوَّل، ورجب، وشعبان.

وانظر كم يذهب مِن الناس إلى السحرة والكهنة والمشعوذين، فيسألهم ويتعامل معهم، أو يتصل بِهم عبر الجوال أو الفضائيات لطلب علاج، أو معرفة ما سُرِق مِنه أو ضاع، أو بُرجه لمعرفة نمَطِ حياته وشخصيته.

وانظر كم مِن متهاون بالصلاة متكاسل، ونائمٍ عنها أو متشاغل، وتاركٍ لجميعها أو بعضها، وكيف حال الناس إذا أقيمت الصلاة، فكم في المساجد، وكم في الأسواق، والبيوت، والطُّرقات، والملاعب، والاستراحات، والمقاهي، وكم عند الفضائيات والإنترنت، وهل تتوقف حركة السيارات، وتخلو الشوارع.

وانظر كم مِن مشاهِد لأفلام الرذيلة والفجور، وناظرٍ لأهلها وسامع، عبر الفضائيات، والفيديو، وتويتر، وسناب شات، ومواقع الإنترنت، واليوتيوب، وغيرها.

وانظر كم يُباع في الأسواق مِن الألبسة والأجهزة والأدوات والصور والأشرطة والسيديهيات المحرمة القبيحة، وكم يقع مِن الباعة وأصحاب المِهَن الحِرَفِيَّة مِن كذب وغش وتدليس وخيانة واستغلال، وكم مِن آكل لأموال الناس باسم المساهمات، والعقارات، والمضاربات التجارية.

وانظر كم في المجالس والمجامع والبيوت والمسامرات مِن الغيبة والسِّباب واللعن والسُّخري والاستهزاء والكذب.

وانظر كم في الأشعار والقصائد مِن الأقوال المحرَّمة في شأن النساء، وفي الفخر والمدح والهجاء، وفي العصبية القِبَلية الجاهلية.

وانظر كيف حال النساء مع التبرُّج والسُّفور، وتقليدهن للفاجرات والكافرات في الألبسة، والشعر، والزِّينة، والبَدن، والعادات، والأفعال، وفي الملتقيات، والأعراس، والأسواق، وفي التشبُه بالرجال أفعالًا، ولباسًا، وهيئة، وجراءة، واختلاطًا.

وانظر إلى حال الشباب مع الكفار في ألبستهم، وشعورهم، وأفعالهم وحركاتهم، حتى وصل الحال ببعضهم إلى حال يُزري ويُخزي دنيًا وأخرى، وصل بِهم الحال إلى أنْ يتشبهوا بسَقّط وأحطِّ وحُثالة وزُبالة أهل الكفر، ألا وهُم الشذاذ جنسيًا وأخلاقيًا، الشُّذاذ عن الطُّهر والفضيلة، الذين يدعون الناس إلى الفجور بِهم، ولبسوا كألبستهم الفاضحة الساقطة، وتجمَّلوا بالمجملات وكأنَّهم نساء، ويَحصل هذا أمام أعين آبائهم، وأمهاتهم، وأعمامهم، وإخوانهم، وأقاربهم.

وانظر إلى حال الناس مع زوجاتهم وأصدقائهم وأولادهم في الكلام، والبَشاشة، والمساندة، والمعاونة، وحالهم مع الوالد والوالدة والجَدِّ والجَدَّة.

وانظر كيف حال الأولاد مع أذية الجيران في بيوتهم، ومراكبهم، أو أذية الناس عمومًا في الطُّرقات، والمنتزهات، والمرافق العامة التي هي حقٌّ مُشاعٌ للجميع، وكيف شوهوها، أو أتلفوها، وكيف حالهم مع المارَّة والعُمَّال، والخدم، والسائقين.

وانظر إلى حال الناس جهة ولاة أمورهم وحكامهم، إنَّه سَبٌّ ولعنٌ، وغيبة وبذاءة، وإرجاف وتحريض،وتأليب وتخوين، وقذف بالباطل والظنون.

وانظر كم مِن آكلٍ لأموال الصدقة والزكاة باسم الفقر، وعنده ما يَسُدّ ضرورياته، أو هو قويٌّ قادر على الكسب والعمل، وكم مِن آكل لأموال مَن يعمل عنده إمَّا بالاختلاس، أو ببيع أشياء لصالح نفسه في المتجر الذي يعمل فيه، أو برفع سعر السِّلعة عن ما حدده له مالك المتجر ليأخذ ما زاد لنفسه، وكم مِن آكل للمال عن طريق السرقة، أو الرشوة، أو الربا، أو التلاعب بقطع الغيار والصيانة، أو المضاربات التجارية.

وانظر إلى حال بعض المزكِّين والمتصدقين مع زكاتهم وصدقاتهم، إنَّهم لا يتحرَّون في ثقة وسلامة طريقة ومنهج مَن يوكِلون إليه توزيعها على الفقراء، ولا يتحرَّون في الجهات التي تُصرف إليها، وهل هي جهات معروفة أمْ خفية، أهي جهات مشهود لها بالصدق والسلامة أمْ مشبوهة مجهولة، حتى لا يكون سببًا في وقوع البلاء على الإسلام والمسلمين، وحتى لا يَجُرَّ الفتن والشُّرور على بلده ومجتمعه، لأنَّ بعض ضعاف النفوس، وسفهاء العقول، وبعض مَن قَصُرَت مداركهم، وجهلوا العواقب، قد يُستغلَّون باسم الإسلام، واسم الجهاد، واسم نُصرة المسلمين، واسم رفع الضَّيم عن المسلمين، فيدفعوا ما أُوكِل إليهم مِن أموال إلى أناس قد تلطَّخت عقائدهم بتكفير المسلمين وعلمائهم وحكامهم، وتلطَّخت أيديهم بدماء المسلمين والمعاهدين وأشلائهم، فيكون مال هذا المتصدِّق أو المزكِّي عونًا لهؤلاء على المحرمات الغليظة، والمنكرات الشنيعة، والقبائح البشعة المظلمة، ويكون عونًا على سفك دماء المسلمين، ودماء المعاهدين والمستأمنين، ودماء الأطفال والنساء، والشيوخ والعجائز، وعونًا على زعزعة الأمْن، والإخلال بٍه، وتخريبه وتكديره على الناس، وعونًا على إتلاف وإفساد الممتلكات الخاصة والعامة، حيث تُنسَف بِه المساكن والمدارس والمساجد والمستشفيات، وتُفسَد بِه الجسور والطُّرق والمراكب، وعونًا على زيادة الفقر، حيث تُدمَّر بِه موارد اقتصاد الناس مِن خطوط غاز ونفطٍ ومصانع.

ويجمع ذلك كله أنْ يُقال: كيف حال الناس مع ما يَعْمُر دنياهم الفانية، وما يَعْمُر آخِرتَهم الباقية.

وسبحان الله عدد خلقه، ورضا نفسه، ومِداد كلماته.

الخطبة الثانية: ـــــــــــــــــ

الحمد لله القويِّ القاهر، الحليمِ الغافر، الذي خلق الكون ودبَّره، وأمضى فيه حكمه وقدَرَه، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد الهادي إلى رضوانه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه.

أمَّا بعد، أيُّها المسلمون:

فالبِدارَ البدار إلى التوبة النصوح، والإقلاعِ عن الذنوب والآثام مِن شركيات وبدَعٍ ومعاصي، ولزومِ ما جاء في القران والسُّنة وكان عليه الصحابة الأخيار، والتمسُّكِ بِه في جميع الأحوال، وسائرِ الأشياء، والمسارعةِ إلى الأعمال الصالحة، والإكثارِ مِنها، إنْ كنَّا نريد أنْ تتحسَّن لنا أحوال، ويُذِلَّ الله أعداءنا، وتأتيَ العزَّة، ويُسرعَ النصر، ويَكثُرَ الأمْن، ويذهبَ الخوف، ونكونَ في عافية ورغد عيش، وسعادة نفس وطمأنينة، فالله تعالى قد وعد، ووعده حقٌّ وصدق، وعد لا يتخلَّف، حيث قال سبحانه: { إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ }، وقال ــ عزَّ وجلَّ ــ: { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا }، وقال ــ تبارك اسمه ــ: { وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا }.

تُوبوا إلى الله، وأقلعوا عن الذنوب، وتزوَّدوا مِن الطاعات، قبل أنْ يقولَ المُفرِّط متحسِّرًا: { يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي } { رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ } { رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ }.

اللهم إليك نشكو قسوة قلوبنا، وعِظم تقصيرنا، وكثرة ذنوبنا، فاغفر لنا ما قدَّمنا وما أخَّرنا، وما أسررنا وما أعلنا وما أسرفنا، وما أنت أعلم بِه مِنَّا، أنت المقدِّم وأنت المؤخِّر، لا إله إلا أنت، اللهم طهِّر قلوبنا مِن الغِل والحقد والحسد والنفاق، وألسنتنا مِن الشرك والكذب واللعن والغيبة والنميمة، اللهم احفظ علينا أسماعنا وأبصارنا وجوارحنا عن كل قول أو فعل لا يرضيك عنَّا، اللهم اغفر لنا ولِمن أسأنا إليه بقول أو فعل، وتجاوز عنَّا وعنه، واجعلنا وإيَّاه ممَّن يعفو ويصفح، إنَّك سميع الدعاء، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.