الأحكام الفقهية المتعلقة بشروط الصلاة
الخطبة الأولى:ـــــــــــــــــ
الحمد لله الذي أنار بالعلم الشرعِيِّ عقول طالبيه، وهَدى به قلوب راغبيه، وفضَّل العابد العالم على العابد الجاهل، وجعل الصلاةَ نورًا ونجاة، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، الهادي إلى صراط مستقيم، والداعي إلى دِين قويم، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى سائر النَّبيين، وآلِ كلٍّ وصحبه، وجميع المؤمنين.
أمَّا بعدُ، أيُّها المسلمون:
فإنَّ أمْر الصلوات الخمس عظيم، إذ لا حظ في الإسلام لِمَن تركها، ومَن لم يُصلِّ فلا دين له، ولا عبادة تصح إلا بالإخلاص لله تعالى فيها، والموافقة للسُّنة النبوية، ولا تحصل الموافقة للسُّنة إلا بالتفقه في الدِّين.
ودونكم ــ فقَّهكُم الله في دينه ــ بعض الأحكام المتعلقة بشروط الصلاة، لتستعينوا بها على تصحيح صلاتكم، وتكثير أجْرها، إذ لا تصح صلاة أحد إلا بتحقيق شروط صلاته، والقيامِ بها وِفْق شريعة الله.
فأقول مُستعينًا بالله العظيم:
إنَّ مِن الشُّروط التي لا تصحُّ الصلاة إلا بها: شرطَ استقبال القبلة.
ومِن أحكام القِبلة: أنَّ مَن صلى إلى غير جهة القبلة بعد أنْ تحرَّى وقام بأسباب معرفتها فصلاته صحيحة، لأنَّه قام بما يجب عليه، وبذَل ما بوسعه، وقد صحَّ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ )).
ومِن أحكام القِبلة: أنَّ البعيد عن الكعبة إذا صلَّى ثم بانَ له أنَّه كان مُنحرفًا عن القبلة شيئًا يسيرًا مع بقائه في نفس جهتها فصلاته صحيحة، لِمَا ثبت عن عمر ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (( مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ إِذَا تُوُجِّهَ قِبَلَ الْبَيْتِ )).
ومِن أحكام القِبلة: أنَّه يجوز للمسافر إذا كان في طريق سفره أنْ يُصلِّي النافلة كالوتر وقيام الليل والضُّحى وهو في سيارته أو في قطار أو باص أو طائرة إلى غير جهة القبلة، لِمَا صحَّ عن عامر بن ربيعة ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (( رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى الرَّاحِلَةِ يُسَبِّحُ، يُومِئُ بِرَأْسِهِ قِبَلَ أَيِّ وَجْهٍ تَوَجَّهَ، وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ ذَلِكَ فِي الصَّلاَةِ المَكْتُوبَةِ ))، ومعنى: (( يُسبِّح )) أي: يُصلِّي النافلة.
ومِن الشُّروط التي لا تصحُّ الصلاة إلا بها: شرطُ إزالة النجاسة.
والمراد بالنجاسة: النجاسة التي تكون في بدَن المُصلِّي أو ثياب صلاته أو بُقعة صلاته.
ومِن أحكام إزالة النجاسة: أنَّ مَن صلَّى وعليه نجاسة في بدَنه أو ثوبه وهو لا يعلم بها أو كان عالمًا بها ثمَّ نسيها فلم يذكر إلا بعد انتهائه منها فصلاته صحيحة، وقد ثبت أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أتمَّ صلاته بعد أنْ خلع نَعليه حين أخبره جبريل ــ عليه السلام ــ أنَّ فيهما قذرًا.
ومِن أحكام إزالة النجاسة: أنَّ الدَّم مِن النجاسات المُتفق عليها بين العلماء، سواء كان دمَ إنسان أو حيوان، فمَنْ صلَّى وعلى ثوبه أو في بدنه دَمٌ وهو عالِمٌ به، وذاكِر له، فله حالان:
الحال الأوَّل: أنْ يكون هذا الدَّمُ كثيرًا، فصلاته باطلة، ويجب عليه إعادتها بعد إزالة الدِّم بإجماع العلماء.
الحال الثاني: أنْ يكون الدَّم يسيرًا كالنُقطِ أو رأس الإصبع أو مثلِ الظُفر وأشباهِ ذلك، فصلاته صحيحة، ولا يلزمه إعادتها، عند عامة أهل العلم.
وقد صحت الفتوى بذلك عن ابن عباس ــ رضي الله عنه ــ حيث قال: (( إِذَا كَانَ الدَّمُ فَاحِشًا فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا فَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ )).
ومِن الشُّروط التي لا تصحُّ الصلاة إلا بها: شرطُ النِّيَّة.
ومِن أحكام النِّيَّة: أنَّ محلها القلب، لِمَا صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى )).
والنِّيَّة في لغة العرب هي: قصدُ القلب وإرادتُه، فلا يجوز للمصلِّي أنْ يتلفظ بها جهرًا بإجماع العلماء، ولا سِرًا عند أكثر الفقهاء، لهذا الحديث، فما يقوله بعضهم إذا أراد أنْ يُصلِّي: “نويت أنْ أصلِّي صلاة الجمعة أو الفجر ركعتين أداء أو قضاء لله تعالى” مُصادمٌ لهذا الحديث ومٌخالف.
ومِن الشُّروط التي لا تصحُّ الصلاة إلا بها: شرطُ دخول الوقت.
ومِن أحكام شرط دخول الوقت: أنَّه يَحرُم على العبد تأخير الصلاة عمدًا حتى يخرج وقتها، وهو مِن كبائر الذنوب وعِظامها، ومُوجبات العقوبة في الدنيا والآخرة، لقول الله تعالى: { إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا }، وقوله سبحانه مُتوعِّدًا ومُهدِّدًا: { فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ }، وثبت عن بعض الصحابة ــ رضي الله عنهم ــ أنَّ المقصود بالساهين الذين تُوعِّدوا في هذ الآية: (( الَّذِينَ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا )).
ومِن أمثلة تأخيرها عن وقتها: أن يَنام عن صلاة الفجر إلى ما بعد طلوع الشمس أو إلى وقت الذهاب إلى العمل، دون نِيةٍ للقيام لها وأدائها في وقتها، ولا اتخاذِ أسبابٍ مُعيِنة توقظ كساعة أو طلبٍ مِن أهل، أو النوم بعد المجيء مِن العمل ظهرًا أو عصرًا إلى وقت صلاة العشاء، أو ما يفعله مَن يكون وقت عمله مُتغيِّرًا إلى نَوبات متفرِّقة، فإذا انتهى عمله بعد طلوع الشمس رجع فنام إلى العصر أو المغرب، أو ما تفعله بعض النساء حيث تنام بعد فما تستيقظ إلا قُبيل الظهر، فتصلِّي الفجر، ثم تقوم بإعداد الغداء.
ومِن أحكام شرط دخول الوقت: أنَّه يَحرُم على المصلِّي أنْ يجمع بين الظهر والعصر أو المغرب والعشاء مِن غير عُذر كسفرٍ ونحوه، لأنَّه فِعلٌ للصلاة في غير وقتها، وقد ثبت عن ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (( الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ مِنَ الْكَبَائِرِ )).
ومِن أحكام شرط دخول الوقت: أنَّ الحائض أو النفساء إذا طهُرت في وقت العصر، فإنَّها تُصلِّي الظهر والعصر، وإذا طهُرت في وقت العشاء، فتُصلِّي المغرب والعشاء، لاتحاد الوقت في حقِّ أصحاب الضرورات والأعذار، وهو قول أكثر الفقهاء، ونُقل عن بعض الصحابة ــ رضي الله عنهم ــ.
ومِن أحكام شرط دخول الوقت: أنَّه لا يجوز لِمن كان مستقِرًّا في مكانٍ لا يتركه كبيتٍ أو مُخيَّمٍ في البَرِّ أو مَقرِّ عملٍ أو سِجن أنْ يَجمَع بين المغرب والعشاء بسب المطرِ، لأنَّ عِلَّة إباحة الجمع في المطر خاصة بمَن صلَّى في مسجدٍ جمَع إمامُه بالناس، لأجل دفع المشقَّة الحاصلة على بدَن المُصلِّين وثيابهم بسبب خروجهم إلى المسجد حين نُزول المطرِ، والمُستقِرُّ في مكان لا يخرج منه، لا مشقَّة تلحقه، فلا يُعتبَر مِن أهل هذه الرُّخصة.
ومِن أحكام شرط دخول الوقت: أنَّ المتهاون في صلاة الفريضة فيصلِّي بعضًا، ويترْك بعضًا، يجب عليه أنْ يقضي جميع ما ترَك، ولو مضَت عليه مدَّة طويلة، وإلى هذا ذهب عامة الفقهاء، مِنهم الأئمة الأربعة، لِمَا صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( مَنْ نَسِيَ صَلَاةً أَوْ نَامَ عَنْهَا فَكَفَّارَتُهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا إِذَا ذَكَرَهَا ))، والعامد أولى بالقضاء مِن النائم والناسي، وقياسًا على وجوب قضاء ما تُرِك صَومه من أيام رمضان، الذي هو أحد أركان الإسلام، إذ الصلاة أعظم في الرُّكنية مِن صوم رمضان.
ومِن أحكام شرط دخول الوقت: أنَّ المُغمَى عليه إذا أفاق لا يلزمه قضاء ما فاته مِن صلاة حال إغمائه، قَلَّتْ المدَّة أو طالت، عند أكثر الفقهاء، لذهاب العقل بغير إرادة العبد، والعقل مَناط التكليف، وإذا أفاق مِن إغمائه في وقت صلاة العصر وجب عليه أنْ يُصلِّي معها الظهر، وإنْ أفاق وقت صلاة العشاء وجب أنْ يُصلِّي معها المغرب، لاتحاد الوقت في حقِّ أصحاب الضرورات والأعذار، وأمَّا المُخَدَّر بالبنْج فيجب عليه أنْ يَقضي ما فاته مِن صلاة إذا زال عنه أثَر البنْج، لأنْ زوال عقله بالبنْج كان بإرادته وموافقته.
ومِن أحكام شرط دخول الوقت: أنَّ المريض إذا كان في المستشفى وأُجْرِيَت له عملية أو كان صاحب كُسور ورُضوض أو كان مربوطًا بِلُفَافات لا يجوز له أنْ يُؤخِّر الصلوات المفروضة إلى أنْ يُشفى ويَخرج مِن المستشفى، بل يجب عليه أنْ يُصلِّي في الوقت على حَسَب استطاعته مِن طهارة، وتوَجُّهٍ للقِبلة، وإزالةِ نجاسة، وستْرِ عورة، لعموم قول الله تعالى: { إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا }، وقوله سبحانه: { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ }، ولِمَا صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ )).
ومِن الشُّروط التي لا تصحُّ الصلاة إلا بها: شرطُ الطهارة.
ومِن أحكام شرط الطهارة: أنَّ الإمام إذا صلَّى بالناس وهو على غير وضوء، فله حالان:
الحال الأول: أنْ يَذكر الإمام بعد انتهائه مِن الصلاة التي أمَّ فيها الناس أنَّه لم يكن على وضوء، فهُنا يجب عليه أنْ يُعيد صلاة نفسه فقط، وأمَّا مَن صلَّى خلْفه فصلاتهم صحيحة، ولا يلزم الإمام إخبارهم بحاله، لِمَا ثبت: (( أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه صَلَّى بِالنَّاسِ وَهُوَ جُنُبٌ، فَأَعَادَ وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ أَنْ يُعِيدُوا ))، وصحَّ عن ابن عمر ــ رضي الله عنهما ــ: (( أَنَّهُ صَلَّى بِهِمْ وَهُوَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ فَأَعَادَ وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالْإِعَادَةِ )).
الحال الثاني: أنْ يَذكر الإمام في أثناء صلاته أنَّه على غير وضوء أو انتقَض وضوؤه فيها، وهُنا يجب عليه الخروج مِن صلاته باتفاق العلماء، ويُستحَب له أنْ يَستخلِف أحدًا مِمَّن خلْفَه ليُتمَّ بالناس ما بقي مِن الصلاة، لِمَا صحَّ أنَّ عمر بن الخطاب ــ رضي الله عنه ــ لمَّا طُعِن في صلاته: (( تَنَاوَلَ يَدَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَقَدَّمَهُ، فَصَلَّى بِهِمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ صَلاَةً خَفِيفَةً ))، وإنْ لم يَستخلِف أحدًا مكانه أكمل كل واحد مِن المصلِّين لوحده ما بقى مِن صلاته، وإنْ أعادوا الصلاة مِن أوَّلِها بإمام آخَر فلا بأس.
ومِن أحكام شرط الطهارة: أنَّ المصلِّي إذا شكَّ في أثناء صلاته بخروج شيءٍ مِنه كريحٍ أو نُزولِ بَولٍ أو غيره فلا يَقطع صلاته، بل يُتمها، ولا يخرج مِنها إلا إذا سمِع صوتًا أو شمَّ رائحة أو تيقَّن خروجَ شيء، لِمَا صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( إِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ فِي بَطْنِهِ شَيْئًا فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ أَخَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ أَمْ لَا، فَلَا يَخْرُجَنَّ مِنَ الْمَسْجِدِ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا ))، وسبحان ربِّك، ربِّ العِزَّة عمَّا يصفون، وسلامٌ على المرسَلين، والحمد لله ربِّ العالَمين.
الخطبة الثانية:ـــــــــــــــــ
الحمد لله الكريم الرحيم، وأُصلِّي وأُسلِّم على رسوله الأمينِ، وعلى آله وصحبه المهتدين.
أمَّا بعدُ، أيُّها المسلمون:
فلا زال الحديث معكم متواصلًا عن الأحكام المتعلقة بشروط الصلاة، فأقول مستعينًا بالله ربي:
ومِن الشروط التي لا تصح الصلاة إلا بها: شرطُ سَتر العورة.
ومِن أحكام شرط سَتر العورة: أنَّ بعض الناس يَلبسون ثيابًا بيضاء رقيقة تَشُفُّ عن لون الجلد فيبَان مِن تحتها، وليس عليهم إلا سراويل قصيرة لا تًستر إلا أعلى الفخذ، وأسفله يَبِين مِن تحت الثوب، وتَكثر هذه الرِّقة في بعض قُمُص أهل الخليج وأهل السُّودان، وبعض لباس أهل باكستان وأفغانستان، وبعض الأُزُر، ومَن كان لباسه رقيقًا يَبِين مِنه لون جلده، ولا سروال طويل تحته يَستر جميع الفخذ، ولا فلينَة تَستره إلى السُّرة، وصلَّى كذلك، فصلاته باطلة، ويجب عليه إعادتها بثياب سَاترة.
ومِن أحكام شرط سَتر العورة: أنَّ بعض الناس يَلبس سراويل يُطلق عليها “بُرمودة” تكون إلى الرَّكبة أو بعدها بيسير، فإذا ركع أو سجد تقلَّصَت وارتفعت إلى ما فوق ركبته، فانكشفت الرُّكبة ومعها شيء مِن الفخذ، وهؤلاء صلاتهم باطلة، لانكشاف شيء مِن العورة أثناء الصلاة، وبعضهم بل ما أكثرهم يَلبسون أسْفل البَدَن بنطالًا أو سروالًا مطَّاطًا، فإذا ركعوا أو سجدوا انكَشَف شيء مِن عورتهم الخلفية، وبانت لِمَن خلفهم، وقد يكون المُنكشِف مِن العورة المُغلَّظة، ومَن صلَّى وقد انكشف شيء مِن عورته فصلاته باطلة.
ومِن أحكام شرط سَتر العورة: أنَّه يَحرُم على المسلم والمسلمة أنْ يلبسا ثيابًا قد جُعِلَت عليها صور آدميين أو حيوانات، ومَن صلَّى بمثل هذه الثياب فصلاته صحيحة، لكن مع الإثم الشديد، لأنَّ المعصية تَعظُم وتتغلَّظ إذا فُعِلَت داخل العبادة.
ومِن أحكام شرط سَتر العورة: أنَّ الواجب باتفاق العلماء على المرأة إذا صلَّت أنْ تَستر جميع شعرها وبدَنها غير وجهها وكفيها، إلا أنْ تكون بحضْرَة أجانب، ولِمَا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( لا يَقبَلُ الله صَلاةَ حَائضٍ إلا بِخِمَارٍ ))، والمراد بالحائض: البالِغ.
وصحَّ عن عائشة ــ رضي الله عنها ــ أنَّها قالت: (( لَابُدَّ لِلْمَرْأَةِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ تُصَلِّي فِيهِنَّ، دِرْعٌ، وَجِلْبَابٌ، وَخِمَارٌ )).
وإنْ صلَّت المرأة فانكشف شيء كثير مِن شعرها أو بدَنها فصلاتها باطلة، وعليها إعادة الصلاة في الوقت بعد التَّستُّر، عند عامة العلماء، الأئمةُ الأربعة وغيرُهم.
وبعض النساء إذا اعتمَرنَ أو حجَجْنَ يَلبسن ثيابًا أو قُمُصًا بيضاء رقيقة تَشُفُّ عن شيء مِن أبدانِهنَّ فتَبِين، ومع شدَّة الزِّحام والحرِّ يَكثر العَرَق فتزداد شفافيةً ويَظهر بعض البَدَن وكأنَّه عَارٍ، ومَن صلَّت أو طافت وهي كذلك، فصلاتها باطلة، وطوافها باطل، وعليها إعادتهما، لأنَّ سَتر العورة مِن شروط صحَّة الصلاة والطواف.
هذا، وأسأل الله تعالى أنْ ينفعني وإياَّكم بما سمعتم، وأنْ يزيدنا فقهًا في دينه، وأنْ يجعلنا مِن الدُّعاة إلى كتابه وسُنَّة نبيِّه الكريم صلى الله عليه وسلم، وأنْ يجعلنا مِن العُبَّاد الفقهاء لا العُبَّاد الجهال، وأنْ نكون ممَّن يَستمع القول فيتَّبع أحسَنه، وممَّن إذا سمِع العلم فرِح به، وانشرح له صدره، وسَعِد به، واستفاد مِنه، إنَّه سميع مجيب، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.