إغلاق
موقع: "عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد" العلمي > المقالات > العقيدة > خطبة مكتوبة بعنوان: ” أهل الملل بالعهد والأمان في بلاد الإسلام آمنون على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم “. ملف: [word] مع نسخة الموقع.

خطبة مكتوبة بعنوان: ” أهل الملل بالعهد والأمان في بلاد الإسلام آمنون على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم “. ملف: [word] مع نسخة الموقع.

  • 26 يناير 2017
  • 3٬290
  • إدارة الموقع

أهل الملل بالعهد والأمان في بلاد الإسلام آمنون على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

أهل المِلَل بالعهد والأمان في بلاد الإسلام آمنون على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم

الخطبة الأولى: ــــــــــــــــــــــــــ

الحمدُ للهِ الذي رضِىَ لنا الإسلامَ دينًا، ووعدَ مَن قامَ بأحكامِه وحفظَ حدودَهُ أجرًا كبيرًا، وذَخِرَ لِمَن وافاهُ به ثوابًا جزيلًا، وفوزًا عظيمًا، وأشهدُ أنْ لا إله إلا الله، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، أرسلَهُ إلى العربِ والعَجم، وجعلَ أمَّتَهُ خيرَ الأُمَم، وهَدى به إلى الطريقِ الأقوَم، فصلَّى الله عليه وعلى آلِه وأصحابِه وشرَّفَ وعظَّمَ وكرَّم.

أمَّا بعدُ، أيُّها الناس:

فاتقوا اللهَ ربَّكم بالعملِ بشرعِه القويمِ أمرًا ونهيًا، وفي أمورِ العقائدِ والعباداتِ والمُعاملاتِ مع الخَلق، وفي الآدابِ، فإنكم إنْ عملتُم به أصلَحَ لكم دُنياكم، وفُزتُم وسَعِدتُم في أُخْراكُم، حيثُ قال سبحانه: { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ }، وقال ــ عزَّ وجلَّ ــ: { إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ }.

أيُّها الناس:

إنَّه قد يَقْدُمُ إلى أيِّ أرضٍ مِن بلادِ المسلمينَ مَن ليس مِن أهلِ دِينهمُ الإسلام، إمَّا مِن النصارى أو اليهودِ أو البُوذيينَ أو الهُندوسِ أو غيرهم، إمَّا لعملٍ عندَ الحكومةِ أو في شركةٍ أو مُستشفىً أو في سفارةِ بلدِه، أو لحضورِ مؤتمرٍ أو معرضٍ تجاري، أو لسياحةٍ أو تجارةٍ أو تعليمٍ أو تدريبٍ عسكريٍّ أو صيانةِ أجهزة وطُرقٍ وشبكات، أو غيرِ ذلك مِن الأغراض، وهؤلاءِ الذين قدِموا آمنونَ في بلاد الإسلام على أنفسِهم وأموالِهم وأهليهم بنصوصِ القرآن العزيز، والسُّنَّةِ النَّبوية الصحيحة، وإجماعِ العلماء لا خِلاف بينَهم في ذلك، حيثُ دخلوها وأقاموا فيها بعهدٍ وأمانٍ مِن قِبل ولِيِّ الأمرِ وحاكمِ البلاد، بالإذنِ لهم بالدخول إليها بالكلامِ أو غيره، أو مَنْحِ تأشيرةِ دخول، أو فِيزةٍ، أو بتأمينٍ مَن يعملونَ عندَه، أو بطلبِ أيِّ مسلمٍ عاقلٍ بالغٍ مِن ذَكرٍ أو أنثى.

فلا يجوز: أنْ يُعتدى عليهم بقتلٍ، أو تفجيرٍ، أو دَهْسٍ بمركبة، أو خَطْفٍ، أو جِراحةٍ، أو ضَرْبٍ، أو سَحْبٍ وسَحْلٍ في الطُرقات، أو إِخَافةٍ وترويع، أو سَرقةٍ ونَهْب، أو غيرِ ذلك مِن المُحرمات، حتى ولو كانت حكومةُ بلادِهم مِن أكثرِ وأشدِّ الحكوماتِ عَداءً وإيذاءً للمسلمين، وتسَلُّطًا على بلادهم، أو كان بيننا وبينَ بلادِهم حينَ وجودِهم عندنا حَرْب، أو كانوا حينها في بلادهم يَعتدونَ على المسلمينَ مِن أهلها، ولا يجوز أيضًا: أنْ يَفرحَ مسلمٌ بحصولِ مِثلِ هذا لهُم في ديار أهلِ الإسلام، أو أنْ يُثنِيَ على مَن فَعلَه، أو أنْ يَتصدَّقَ أو يَعتمِرَ لفاعله، لأجل فِعلِه هذا، بل يجبُ عليه أنْ يُنكِرَ فِعلَه بحسبِ استطاعته، وأنْ يَكرَه حصولَه، ويُبغِضَ لله وفي الله مَن فعلَه، لأنَّ هذا الفِعلَ مُنكرٌ ومعصيةٌ كبيرةٌ لله سبحانه، ولا يَحِلُّ لمسلمٍ شَرعًا أنْ يَفرحَ بمعصيةِ الله، وانتهاكِ حدودِه، وفِعلِ المُنكرات، ولا أن يُثنِيَ على أهلها بسببِ فِعلهم لها، ولا أنْ يَفعلَ لهم في نفسِه أو في أوساطِ المسلمينَ ما يدُلُّ على رضاهُ وسُرورِه بفعلِهم، بل هذا مِن دلائلِ ضَعفِ الإيمان، ونَقصِ الدِّيانة، والجهلِ بأحكامِ الشريعة، أو هوى النفس، أو الانتماءِ لأحزابٍ وجماعاتٍ تكفيرية، أو التَّأثُّرٍ بسياسيينَ لهم أهدافٌ مشبوهة، وأغراضُ مُحرَّمة.

أيُّها الناس:

إنَّ النُّصوصَ الشَّرعيةَ في تحريمِ دماءِ مَن دخلَ إلى بلادِ المسلمينَ مِن أهلِ المِلَلِ الأُخْرى بعهدٍ أو أمَانٍ مِن أيِّ مسلمٍ عاقلٍ بالغٍ ذَكَرٍ أو أُنثى مُتضافِرةُ مُشتهِرة، ومَن جهلَها فبسببٍ مِن نفسِه، حيثُ لم يتفقَّه في دِينه، فقد صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (( مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا ))، وصحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (( مَنْ قَتَلَ مُعَاهِدًا فِي غَيْرِ كُنْهِهِ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ ))، والمُعاهَدُ هو: مَن له عهدٌ مع المسلمينَ، سواءٌ كان بعقدِ جِزيةٍ أو هُدنةٍ وصُلحٍ مِن حاكمٍ، أو أمَّانٍ مِن عبدٍ للهِ مسلمٍ، بل إنَّ جميعَ المسلمينَ ذكورًا وإناثًا، شُرفاءَ بينَ الناسِ أو وُضَعَاء، مُتساوونَ عندَ الله ِفي إعطاءِ الأمانِ لغيرِ المسلمِ ولُزُومِه، فإذا أعطاهُ أحدُهم لكافرٍ حَرُمَ بعدَ إعطائِه على جميعِ المسلمينَ أنْ يَخفِروا عهدَهُ وأمَانَهُ هذا، ومَن فعلَ ذلك فنقَضَ أمَان مسلمٍ فتعرَّضَ لكافرٍ أمَّنَهُ مسلمٌ فعليهِ لعنةُ اللهِ وملائكتِه والناسِ أجمعينَ، لا يَقبلُ اللهُ مِنهُ فريضةً ولا نافلِة، لِمَا صحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:  (( ذِمَّةُ المُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ، يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ، فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لاَ يُقْبَلُ مِنْهُ يَوْمَ القِيَامَةِ صَرْفٌ وَلاَ عَدْلٌ ))، ولمَّا دخلَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم مكةَ فاتحًا لها أمَّنَت أمُّ هانئٍ ــ رضي الله عنها ــ رجلًا مِن المشركينَ شديدَ العداوةِ والأذيةِ لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فأمضَى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أمَانَها، وحَرُمَ على جميعِ المسلمينَ دمُهُ بِسبب تأمِينِها له، حيثُ صحَّ أنَّ أمَّ هانئٍ بنتَ أبي طالبٍ ــ رضي الله عنها ــ: (( ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الفَتْحِ، فَقَالْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ زَعَمَ ابْنُ أُمِّي عَلِيٌّ أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلًا قَدْ أَجَرْتُهُ، فُلاَنُ بْنُ هُبَيْرَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ» )).

ومِمَّا يدُلُّ على عِظَمِ حُرمَةِ دَمِ الكافرِ الذي له عهدٌ أو أمَانٌ مِن مسلمٍ: أنَّ اللهَ تعالى أوجَبَ على مَن قتلَهُ عن طريقِ الخطأِ الدِّيةَ والكفَّارةَ، فكيفَ بمَن قتلَهُ عمدًا، فقال ــ جلَّ وعلا ــ: { وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ }، وإنْ كانَ الأمانُ والتأمينُ معقودًا وصادرًا مِن قِبَلِ ولِيِّ الأمرِ وحاكمِهم والدولةِ فهذا أشدُّ وأقوى وآكد وألزَم.

أيُّها الناس:

إنَّ المسلم لا يجوزُ له أنْ يَعتديَ على غيرِ المسلمينَ في بلدانِهمُ التي دخلَ إليها وجاءَها زائرًا أو عاملًا أو ساكنًا أو طالبًا أو مُتعالجًا، لا بقتلٍ، ولا تفجيرٍ، ولا دهْسٍ بمركبة، ولا خَطْفٍ، ولا جِراحةٍ، ولا ضَرْبٍ، ولا إِخَافةٍ وترويع، ولا سرقةٍ ونَهْبٍ، ولا بغيرِ ذلك مِن الجرائم، ولا يجوزُ أنْ يُسَرَّ مسلمٌ ويَفرَحَ بحصول ذلك مِن قِبَلِ أيِّ مسلم، ولا أنْ يُثنِيَ عليه بسببِه أو على فِعلِه، ولا أنْ يَفعلَ أيَّ شيءٍ يدُلُّ على رضاهُ به، ومحبَّتِه له، لأنَّ المسلمَ إنَّما دخلَ بلادَهم بعهدٍ وميثاق: أنْ لا يُحدِثَ فيها ما يَضرُّهُم، ويَضرُّ ببلادِهم، بدلالةِ إعطائِهم له الفِيزةَ، أو التَّأشيرةَ، أو الإقامةَ، أو الجِنسيةَ، ولو علموا أنَّه سَيُحدِثُ فيها ما يَضُرُّ ويُفسِد، أو أخبرَهُم بأنَّه سَيؤذِيهِم ويُفسِدُ في بلادِهم لَمَا أعطوه، ولا أذِنوا له بالقُدومِ عليهم، ودخولِ أرضِهِم، ولِعظَمِ شأنِ العهدِ والميثاقِ في الإٍسلامِ مع غيرِ المسلمينَ، حتى ولو كانوا مُحارِبِين، وعِظَمهِ أيضًا عندَ أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، رجعَ معاوية بنُ أبي سفيانَ ــ رضي الله عنهما ــ بجيشِ المسلمينَ بعد أنْ كان بالقُربِ مِن أرضٍ الكفارِ، حينَ بلَغَهُ حديثُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في ذلك، حيثُ قال سُليمُ بنُ عامرٍ ــ رحمه الله ــ: (( كَانَ بَيْنَ مُعَاوِيَةَ وَبَيْنَ الرُّومِ عَهْدٌ فَكَانَ يَسِيرُ فِي بِلَادِهِمْ حَتَّى إِذَا انْقَضَى الْعَهْدُ أَغَارَ عَلَيْهِمْ وَإِذَا رَجُلٌ عَلَى دَابَّةٍ أَوْ عَلَى فَرَسٍ وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ وَفَاءٌ لَا غَدْرٌ – مَرَّتَيْنِ – وَإِذَا هُوَ عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ السُّلَمِيُّ فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: مَا تَقُولُ؟ فَقَالَ عَمْرٌو: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمٍ عَهْدٌ فَلَا يَحُلَّنَّ عُقْدَةً وَلَا يَشُدَّهَا حَتَّى يَمْضِيَ أَمَدُهَا أَوْ يَنْبِذَ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ» فَرَجَعَ مُعَاوِيَةُ بِالنَّاسِ ))، وصحَّحهُ: التِّرمذيُّ، وابنُ حِبَّانَ، وابنُ القيِّمِ، والألبانيُ.

ولمَّا عقدَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مع المشركينَ في أرضِ الحُدَيبِيَّةِ عهدَ صُلحٍ وهُدنةٍ كان مِن شُروطِهِ أنْ يَرُدَّ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلى المشركينَ مَن قدِمَ إليه مِن جِهتِهم مؤمنًا باللهِ ورسولِه ودِينِه، فوَفَّى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بهذا العهدِ حينَ وُجِدَ مُقتضَاهُ وسلَّمَّ إلى المشركينَ مَن جاءَهُ مسلمًا، حيثُ صحَّ عن المِسْوَرِ بن مَخْرَمَةَ ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (( فَجَاءَهُ أَبُو بَصِيرٍ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ وَهُوَ مُسْلِمٌ، فَأَرْسَلُوا فِي طَلَبِهِ رَجُلَيْنِ، فَقَالُوا: العَهْدَ الَّذِي جَعَلْتَ لَنَا، فَدَفَعَهُ إِلَى الرَّجُلَيْنِ ))، وقد قال اللهُ سبحانه آمِرًا المؤمنينَ: { وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا }، وصحَّ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( إِنَّ الْغَادِرَ يُنْصَبُ لَهُ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُقَالُ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ ))، نفعنِي اللهُ وإيَّاكُم بما سمعتُم، وزادنا فقهًا في دِينِه وشرعِه، وسُبحانَ اللهِ الكبيرِ المُتعال.

الخطبة الثانية: ـــــــــــــــــــــــــ

أحمدُ الله َبمحامِدِهِ التي هوَ لَها أهلٌ، والصلاةُ والسلامُ على خاتَمِ رُسلِه وأنبيائِه محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وآلِه وصحبِه.

أمَّا بعدُ، أيُّها الناس:

فلا ريبَ أنَّ عداوةَ وبُغْضَ أهلِ الكُفر لنا ولِدينِنا الإسلام، وإرادتَهُم كُفرَنا بربِّنا سبحانه، وذهابَ الخيرِ عنَّا، ونُزولَ الشَّرِ بِنا لأمرٌ معروفٌ عندَ جميعِنا، أخبرَنا به خالقُنا وخالقُهم وهوَ اللهُ ربُّنا وربُّهم، وهو سبحانه أعلمُ بِهِم مِنَّا، أعلم بظواهِرِهم وبواطِنِهم، وما فعلوا وما سيفعلون، وبما يُخطِّطونَ، وكيف يَكيدونَ، ومتى سَيمكُرونَ، وتاريخُنا البعيدُ والقريبُ وواقعُنا المعاصِرُ شاهدٌ وحافِلٌ بدلائلِ ذلك، وقد قال الله ُسبحانه في تقريرِ ذلك: { مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ }، وقال تعالى: { وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ }، وقال ــ عزَّ شأنه ــ: { وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً }، وقال ــ جلَّ وعزَّ ــ: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ }.

أيُّها الناس:

إنَّ اللهَ تعالى كما تقدَّمَ هو الذي أعلَمَنا بالكافرينَ وعداوتِهم لنا، وبُغضِهِم لِدينِنا، ومكرِهِم بِنا، وكيدِهم معنا، وتعاضُدِهم علينا، وأنَّ ما تُخفِي صُدورُهم جهتَنا أكبَرَ وأعظَم، وهو سبحانه الذي شرَعَ لنا طريقةَ التَّعامُلِ معَهُم في الحربِ والسِّلمِ، ووقتِ العهدِ والصُلحِ والذِّمَّة، وحينَ القوَّةِ والضَّعف، وما يَحِلُّ لنا معَهم، ويَحْرُمُ علينا، فيجبُ أنْ نَلزَمَ ما شرَعَ، ونعملَ بمُقتضَاهُ، ولا نَحِيدَ عنه أبدًا، لا في حالِ الرِّضَا والغضَبِ، ولا العُسرِ واليُسرِ، ولا المَنْشَطِ والمَكرَه، وقد تهدَّدَ اللهُ سبحانه مَن خالفَ ما شرَعَ، فقال سبحانه: { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }، وصحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (( كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَنْ يَأْبَى؟ قَالَ: «مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى ))، وقال ــ جلَّ وعلا ــ مُبشِّرًا مَن أطاعَهُ وأطاعَ رسولَهُ فيما شُرِع: { وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا }.

هذا وأسأل اللهَ أنْ يرزقَنا الفِقهَ في دِينه، والعملَ بشريعته، وتعظيمَ أوامرِه وزواجِرِه، والوقوفَ عند حدودِه، وبُغضَ معصيتِه، وإنكارَ المنكرِ وإبطالَه، اللهم أعزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذِلَّ الشِّركَ والمشركين، واحمِ حوزةَ الدِّين، واجعل بلدانَ المسلمين آمنةً مِن الخوف والجوع، اللهم أصلح أحوالَ المسلمين، وأصلح ولاتَهم وجندَهم ودعاتَهم وشبابَهم ونساءَهم، وارحمْ موتاهم، اللهم قاتلِ الخوارجَ المارقينَ ومَن عاونَهم مِن أيِّ جنسٍ أو بلد، واشدُدْ عليهم وطأَتَك، إنَك سميعٌ مُجيب، وأقول هذا، وأستغفرُ اللهِ لِي ولكُم.